
(نبات تفاح الجن) أو (نبات تفاح المجانين) أو (نبات اللفاح) أو (نبات اليبروح) أو (نبات بيض الجن) أو (نبات الشجيع) كلها أسماء لنبات واحد من النباتات البرية المنتشرة في فلسطين. والتي لا ترتفع عن سطح الأرض إلا قليلاً، أما لماذا سُمي هذا النبات بهذا الإسم الغريب، والمخيف في نفس الوقت؟لأن أغلب الناس في الماضي كانوا يعتقدون، وبعض الناس في الحاضر لا زالوا يغتقدون أن من كان يأكل منه ولو تفاحة واحدة قبل أن تنضج يصاب بالجنون والهستيريا.

أوراق هذا النبات عريضة، وطويلة، خضراء اللون، يتخللها ضلوع متناوبة، ومتوازية على طول وعرض الورقة، وكل هذه الأوراق تخرج من نقطة واحدة. وتشبه هذه الأوراق إلى حد ما أوراق نبات التبغ الكوبي، أما جذوره فكبيرة وطويلة، وقد تصل إلى حوالي نصف متر تقريباً في طولها، لهذا تحتاج هذه النبتة إلى جهد كبير لاقتلاعها من الأرض المزروعة بها، وبعد إقتلاعها تبدو كما لو أنها تشبه جذع الإنسان مع ساقيه، وهذه الجذور تحتوي على مواد مخدره، تستعمل لتهدئة الألم الشديد الذي يشعر به المريض، عند وبعد إجراء العمليات الجراحية في بعض الأمراض المستعصية.

وأما ثمار هذا النبات، فتكون على شكل شبه كرات متوسطة الحجم، بحجم كرة التنس تقريباً، وتشبه إلى حد ما ثمار التفاح البلدي، وهذه الثمار تكون خضراء اللون قبل نضوجها، ثم تتحول إلى ذهبية اللون بعد نضوجها في شهر أيار من كل عام، وتحتوي هذه الثمار بداخلها على بذور صغيرة الحجم تشبه بذور الحلبة، تحبها العصافير والطيور، وتلتهمها غير عابئة بما قيل أو يقال عن هذا النبات على مر العصور من أساطير، تقترب من الخرافات في بعض الأحيان.

أما عن هذه الأساطير التي قيلت حول هذه النبتة وثمارها، فإن واحدة منها تقول: أن من يأكل من ثمار هذا النبات يصاب بنشاط هستيري غير غادي، يدفعه إلى الركض بلا توقف. ومن هذه الأساطير من يقول أن من يأكل من ثمار هذا النبات سيموت بعد وقت قصير. ومن هذه الأساطير من يقول أن أكل ثمار هذا النبات الخضراء فقط هو الضار، وبالرغم عن ما قيل عن هذا النبات من أساطير إلا أن ثماره عند نضوجها، تكون طيبة المذاق، ولا تضر بمن يأكلها، وتفوح منها رائحة زكية، تعطر المكان الذي توجد به لمدة لا تقل عن أسبوع أو أكثر فليلاً.

يحكى عن هذا النبات، أن محاربين من شمال إفريقيا كانوا يطاردون جيوش هنيبال القائد العسكري القرطاجي (الذي كان بارعاً فى التكتيك الحربى وهو من أكثر القادة الموهوبين فى التاريخ القديم) ولكي يتغلب هنيبال على هؤلاء المحاربين دون مقاومة تُذكر، قام بوضع جرار من الخمر، نُقعت فيه جذور نبات تفاح المجانين هذا، وعند وصول هؤلاء المحاربين الأفارقة إلى هذه الجرار، قاموا بشرب كل محتوياتها من الخمر، ومنقوع جذور هذا النبات، فداخ كل هؤلاء الجنود على الفور، مما مكّن هنبيال من القبض عليهم وهم أحياء.

أما في العصور الوسطى، فقد ساد إعتقاد شاع بين الناس كثيراً، أن كل من يحمل معه ثمرة من ثمار تفاح المجانين هذا فانها تحميه، من كل شر وسوء أو حسد أو مس شبطان، وفي نفس الوقت تبعد عنه كل مسّ أو عين أو حسد أو شيطان، ومن أجل ذلك فقد كانت هذه الثمار مطلوبة عند كثير من الناس في تلك العصور الوسطى، وعليه فقد ارتفع سعره، بعد أن أصبحت ثماره مطلوبة للجميع، حتى أن ثماره كانت توزن بالذهب عند بيعها أو شرائها.

ويقال أن في سنة 1891، بيعت الثمره الواحده من ثمار هذا النبات بأسعار مرتفعة إلى خيالية في بعض الأحيان تراوحت بين أربعة وعشرة دولارات للثمرة الواحدة، ومن الجدير بالذكر أن من جملة الإعتقادات التي كانت سائدة في تلك الأيام أيضاً أن الإنسان بعظمته وقوته وجبروته لا يستطيع خلع جذور هذا النبات من الأرض، ومن يتجرأ منهم ويحاول قلع هذا النبات فسيموت في الحال، لهذا فقد تجنبه الناس لفترة محدودة حتى اخترعوا طريقة بديلة.

أما هذه الطريقة الجديدة فتستخدم فيها الكلاب بدل الإنسان، وبقي الناس على هذا الإعتقاد السائد في تلك الفترة إلى أن إكتشفوا أنه يمكن الحصول على جذور هذا النبات من دون التعرض للخطر، وذلك بأن يحفر الشخص الذي يريد خلع هذا النبات حول هذا النبات حفرة دائرية ويستمر في الحفر حتى ينكشف له جزء من جذور هذا النبات، ثم يقوم بربط كلبه في هذه الجذور بحبل قوي ويهرب، فيقوم كلبه باللحاق به بسرعة، وبقوة أيضاً فيقتلع هذا النبات بسهولة وبعدها يموت هذا الكلب في الحال بدلاً من أن يموت صاحبه.

أما في العصر الماضي، الذي هو ليس بالبعيد، فكان لنبات تفاح المجانين هذا مكانة عظيمة في ذاكرة الطفولة الفلسطينية، دون أن يعلم هؤلاء الأطفال ذلك، فعندما كنا أطفالاً صغاراً في السن، كنا نجتمع من الجنسين في مكان أو في غرفة من غرف البيت ونلعب لعبة كنا نسميها (حدارجة بدارجة) وكنا نطلب من هذا النبات أن يبعد عنا كل عين أو شر أو حسد، ولم نكن نعلم بأن إسم (اللفاح) هذا في لعبتنا، هو إسم آخر لنبات تفاح المجانين.

أما عن الطريقة التي كنا نلعب بها هذه اللعبة، فكان على كل طفل أن يمد يديه على الأرض مبسوطتان، ويقوم أحد هولاء الأطفال بتسيير إصبعه فوق هذه الأيادي مجتمعة، وهو يقول (حدارجة بدارجة من كل عين ودارجة يا خيّنا يا بيّنا لاعبونا بالتفاح اللفاح يا قلايد يا ملاح خرزة زرقة قالت طقطق ميّة مفش) ومن تصل كلمة مفش فوق يده، يخرجها من اللعب، وهكذا تستمر هذه اللعبة حتى تبقى يد واحدة وتكون هي يد الفائز في هذه اللعبة.

وأتذكر الآن من أيام طفولتي، عندما كانت تفاحة واحدة من هذا النبات تمنحنا عطراً مميزاً يدوم في اليدين لأيام، لا بل إذا وضعت منه حبة واحدة في الغرفة أو في البيت أو في غرفة من غرف المدرسة، تعطرها لمدة أسبوع أو أكثر، وأتذكر كذلك أننا كنا نقع في جنون وعشق هذا النبات، فما من أحد منا نحن الأطفال، إلا وسعى منذ أول أيام الربيع، ليخبر نبتة له ويحفظ مكانها، ويموهها بالقش والحجارة، كي لا يجدها أحد سواه، ليحصل على ثمارها وحده.
