بسرعة هائلة أصبح عندنا في مدينة سلفيت مستشفى وأطباء وممرضين مقيمين وأطباء زائرين ونسينا هذا الرجل العملاق عزت الزوربا أبو فاروق الذي ترك الحياة السهلة المريحة في مدينة نابلس وجاء ليستقر هو وزوجته وأولاده في قرية سلفيت في خمسينات القرن الماضي ليكون مسؤولاً عن الصحة في منطقة سلفيت وما حولها من القرى المجاورة تحت مسمى (التمرجي) ولا أعتقد أن أحداً من أهل سلفيت وما حولها من القرى المجاورة لم يدخل عيادته في يوم من الأيام أما زوجته أم فاروق فقد ولّدت معظم نساء سلفيت وما حولها إن لم يكن جميعهن تحت مسمى (قابلة قانونية) وعاشت هي وزوجها وأولادها حياتهم كلها في سلفيت أما أولادهم من بعدهم فقد تبرعوا بقطعة الأرض المقام عليها (مسجد الأبرار) مشكورين لهذا أتمنى على رئيس وأعضاء مجلس بلدية سلفيت وعلى رأسهم الدكتور شاهر إشتية (الذي كان يعرفهم أكثر مني) أن يقوم بتكريمهم وذلك بتسمية شارع أو مكان أو حتى جناح في مستشفى الشهيد ياسر عرفات بأسمائهم ولو أنها جاءت متأخرة.
أصبح الآباء في هذه الأيام، ينجبون الأطفال، لا ليكونوا أكبادهم، التي تمشي على الأرض، كما كانوا يقولون، بل ليثبتوا بهم رجولتهم فقط.، وبعد أن يثبتوا رجولتهم بأولادهم يُلقون بهم في أحضان أمهاتهم ويغسلون أيديهم من المسؤولية عن ما أنجبوا. أما الأمهات فعندما ينجبن أطفالاً يزهون بهم كالأشجار المثمرة، وعندما يُلقي الرجال عليهن مسؤولية أولادهن يفرحن كثيراً لأن ثمرهن سقط في حجرهن وليس بعيداً عنهن، ويعتبرن أولادهن بعد ذلك من ممتلكاتهن الخاصة ويقمن بوضع أطفالهن في صناديق مجوهراتهن ويقفلن عليهم الأبواب.
في النادي
بعد ذلك تنشغل هؤلاء النسوة في رفع مستواهن الاجتماعي بين أقرانهن في المجتمع، فكل واحدة منهن تريد خادمة مثل أختها، وسيارة مثل أخت زوجها، واشتراكاً في النادي الرياضي مثل جارتها، وزيارة الفنادق والأكل في المطاعم مثل صديقتها، والمشاركة في الرحلات السياحية مثل ابن بطوطة، وموبايلات لكل فرد من أفراد أسرتها لتسهيل الاتصال بينهم وبين أفراد أسرهن، ومتابعة ما يُستجد على وسائل التواصل الاجتماعي من تعليقات وأخبار ويغلفن كل هذه الطلبات برفع مستوى أولادهن فأولادهن ليسوا أقلّ شأناً من أولاد عمومتهم أو أولاد خالاتهم.
أمهات أيام زمان
ومن أجل هذا تقنع الزوجة زوجها بزيادة ساعات عمله كي يزيد من دخله ليستطيع أن يفي بحاجات أولاده الكثيرة. وبعد أن ينشغل الزوج تزداد ساعات الفراغ عند الزوجة وتصبح مُستعدة أن تذهب إلى أي مكان تستطيع فيه أن تملأ فراغها، وتنسى بذلك أولادها بعكس أمهات أيام زمان قكنّ لا يفرطن في أولادهن ولو لدقيقة واحدة، وإذا دعت الحاجة والضرورة في مواسم قطف التين والعنب والزيتون واللوز كن يحملن أولادهن على ظهورهن فوق أحمالهن، و!ذا خيّرت هذا الطفل فسيختار حضن أمه مهما قدمت له من مغريات.
أطفال الموبايلات
أما الأولاد، فمع غياب الأم والأب عنهم، فلن يجدوا ما يشغلهم غير موبايلاتهم ومع الزمن يصبح غياب الأم والأب لا قيمة له مع وجود تلك الموبايلات التي تعطيهم الأمن والأمان. ولو خيرت أحدهم بين الأم والموبايل فسيختار الموبايل. ومع مرور الوقت يبدأ الأطفال بالابتعاد عن كل شخص يريد أن يبعدهم عن هواتفهم المحمولة بما فيهم الأب والأم، وهذا يؤدي بهم في نهاية المطاف إلى محدودية التواصل الاجتماعي في الحياة الحقيقة، مما يعني تقليل الخروج من البيت ومن ثم تقليل التواصل الاجتماعي مع الناس وتقليل الارتباط بالعالم الخارجي، لهذا لم يعد أطفالنا أكبادنا التي تمشي على الأرض، بل أطفالنا أصدقاء موبايلاتهم التي تمشي على الأرض معهم.
إمام مسجد يهدي الناس للتي هي أقوم خمس مرات في اليوم ومرة سادسة في صلاة التراويح ومرة سابعة يوم عيد الفطر السعيد ومرة ثامنة يوم عيد الأضحى المبارك ولا تفوته صلاة كل جنازة أو صلاة استسقاء ومن تفوته الصلاة معه يشاهده على الفضائيات المختلفة ومن تفوته مشاهدته يسمعه على أثير الإذاعات المختلفة وهو يحض الناس على التقوى ويقول:إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له وكنت قد أعجبت بتربية هذا الإمام للناس كافة ولكنني بعد أن سمعت أن إبنه مطرباً في أحد البارات الليلية عرفت كم أننا أمة تحب الكلام؟.
أمريكا ـ وما أدراك ما أمريكا ـ فهي التي كانت (ولا زالت) تصنف شعوب العالم وتختار منها الشعب الذي تودّ مساندته والوقوف إلى جانبه فبالأمس كانت قد اختارت الشعب الأفغاني من بين الشعوب الإسلامية وحوّلت أرضه إلى جنة وفي طريق عودتها من هناك حزنت على الشعب الكويتي وحررته من الغزاة العرب وأعطته من خيراتها الكثير وقضت على ما كان به من طائفية ووحّدت له الأسرة الحاكمة بعد أن كانوا مختلفين في ما بينهم وجعلته يعيش في واحة يسودها الإستقرار والأمن والأمان.
ما فعلته أمريكا في سوريا
ثم انتقلت بعد ذلك إلى الشعب العراقي الشقيق وألحقته بالشعوب الديمقراطية وحرّرته من الديكتاتوريين العرب وعينت بدلاً منهم ملائكة وغلماناً يطوفون على الشعب العراقي بالبورجر والكولا بدلاً من اللبن والتمر هذا في الماضي الذي هو ليس بالبعيد أما في هذه الأيام فقد رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن تساند وتقف مع الشعب السوري البطل في مجلس الأمن وأخذت تلوّح بالفيتو للشعب الفلسطيني المقدام في نفس الوقت أي أنها تطبق المثل العربي الذي يقول:يخزيك وحيي إبن عمك.
إسبانيا بلد من البلدان التي تطل على البحر الأبيض المتوسط وعلى أرضها تنمو أشجار الزيتون كما هي تنمو على أرض فلسطين أيضاً، لكن الإسبان كانوا قد سبقونا في صناعة وتسويق زيت الزيتون لا بل تفوقوا علينا كثيراً في هذا المضمار شئنا أم أبينا. أقول هذا الكلام لأننا دائماً بيننا وبين أنفسنا ندّعي عكس ذلك تماماً ولا زلنا حتى هذه اللحظة لا نعترف إلا بزيتنا وننظر إلى الزيت الإسباني نظرة دونية عند مقارنتة بزيتنا. في زيارتي الأخيرة إلى العاضمة الإسبانية مدريد سنة 2015 كنا قد دخلنا فيها مطعماً في أحد الأيام وما أن رأت الجرسون (فتاة إسبانية من أصل أرمني) زوجتي (محجبة) حتى هرعت إلينا مسرعة بعد أن تركت ما بيدها وتوجهت نحونا بعد أن عرفت أننا من بلاد المسلمين، وأخذت تنطق معنا بكلمات من لغات مختلفة ومنها العربية وبقيت تحاول معنا إلى أن تأكدت من عروبتنا.
الزيت الإسباني
وفي الحال أسرعت وأحضرت معها عدة قوارير زجاجية مظللة من الزيت الإسباني وأخذت تشرح لنا عن أنواعه وفوائده، ومما قالته لنا: إن هذه الزجاجة بها زيتٌ مميزٌ، فزيتها ناتج من عصر ثمار الزيتون المعمر فقط. أما هذه فبداخلها زيت معصور من ثمار أشجار زيتون صغيرة في السن، وتلك بها زيت زيتون من أول عصرة، وهذه فيها زيت زيتون من ثاني عصرة، واستمرت في الشرح والتوضيح مبينة طعم وفائدة كل نوع منها، فتذكرت في الحال زيتنا الفلسطيني المغلوب على أمره حين نقطفه مرة واحدة من كل أنواع الزيتون ونخلط ثماره معاً ثم نقوم بعصر هذه الثمار دون تمييز، وبعدها نقوم بوضع هذا الزيت المعصور في تنك سعة الواحدة منها 18 كغم لها علّاقة كالمنشار تنشر يد من يحملها، ولم نترك الأمر على حاله بل قمنا باستبدال هذه التنكة ببرميل من البلاستك دون أن نعلم أثر هذا البلاستك على طعم الزيت وفوائده.
شجعالحكام العرب ومن يدور في فلكهم لعبة كرة القدم دون غيرها من الألعاب، واستحدثوا لها الملاعب والنوادي وروابط المشجعين وأغدقوا عليها وعليهم المال الوفير والجاه الكبير، ولم يكتفوا بذلك بل فتحوا للرياضيين منهم أبواب الجامعات على مصراعيها ليدخلوها معززين مكرمين تحت مُسمى (النشاط الرياضي) وجعلوا من حضور مباريات كرة القدم وتشجيع فريق دون الآخر واجباً وطنياً كبيراً كي يشغلوا شعوبهم عنهم وعن سياساتهم الخاطئة.
أصبح الرجل مدريدي وزوجته برشلونية
ولم يقتصر هذا الدعم والتشجيع على منتخبات الحكام العرب الوطنية والمحلية، بل امتد هذا الدعم والتشجيع إلى دعم وتشجيع المنتخبات العالمية، فنصبوا للناس الشاشات الكبيرة في الشوارع والحدائق والساحات العامة لمتابعة وتشجيع وتأييد هذه المنتخبات في مبارياتها العالمية، وانقسم البيت العربي الواحد إلى من يؤيد فريقاً دون غيره من الفرق العالمية المشهورة حتى وصل بهم الأمر أن أصبح الرجل من ذوي الميول المدريدية عندما لم يجد عيباً في زوجته يتهمها بأن ميولها برشلونية.
أشغل الحكام العرب قوات الأمن بالجمهور في الملاعب
لم يكن هؤلاء الحكام العرب يعلموا أن كرتهم المدورة هذه ستشق مجتمعاتهم إلى أنصاف وأرباع وأثمان بعد أن يتمحور كل من في قلبه مرض حول هذه النوادي تحت مُسميات مختلفة وكثيرة، أهمها رابطة مشجعي النادي الفلاني والنادي العلاني وأخذت هذه الروابط تشجع فريقاً على آخر بطريقة همجية حتى أصبحت سُنة من سُننهم، فأشغلوا بذلك قوات الأمن والدرك بالجمهور في الملاعب وانشغل الجمهور بقوات الأمن ونسيت الناس أدوارها وأهدافها ومشاكلها واستبدلوها بأهداف كروية بحتة.
ومن أجل ذلك قاموا بتحفيظ الناس أغاني وأهازيج كروية لتغييب عقولهم وملء قلوبهم بالحقد والكراهية، أما على المستوى المحلي فبالأمس القريب فاز منتخبنا الوطني الأردني في آخر مبارياته على أوزبكستان وهلّل وصفق له الجميع دون أن يعلموا شيئاً عن الثمن الذي دفعه وسيدفعه مجتمعهم مقابل ذلك ولا عن الثمن الذي يطلبه هذا المنتخب مقابل ذلك. فبعد النصر المؤزر الذي حققه منتخبنا الكروي على فريق أوزبكستان قررت حكومتنا الرشيدة أن تكافئهم فقامت بصرف 15 ألف دينار فقط لا غير منحة لهذا المنتخب.
صرف المنتخب الوطني 45 ألف دينار ثمناً للكرات
وعندما علم بذلك رئيس المنتخب الوطني الأردني السابق احتج على هذه المنحة المتواضعة (برأيه) لا بل رفضها رفضاً قاطعاً حين قال في مقابلة إذاعية في إحدى الإذاعات: إن منتخبنا الوطني كان قد صرف 45 ألف دينار ثمناً لكرات كان قد استخدمها أثناء اللعب، وعليه فإن هذا مبلغ قليل جداً لا يكافئ النصر الذي كنا قد حققناه للوطن، نحن بحاجة إلى 2 مليون دينار على الأقل يا بلاش.
15 أيار قادم على الأبواب للمرة (66) وفي كل مرة من هذه المرات يقوم العرب بالتفتيش عن (شماعة) كي يُعلّقوا عليها فشلهم في تحرير واسترجاع فلسطين من اليهود المغتصبين، وما أن يجدوا هذه الشماعة حتى تجدهم يهرعون مسرعين ليصبوا جام غضبهم عليها وينسون أو يتناسون ما كانت قد اكتسبت أيديهم طيلة هذه السنين الطويلة.
Googleيحتفل بعيد ميلاد الكيان الصهيوني
أما في هذه السنة (بعد أن فتشوا هنا وهناك) فلم يجدوا غير (Google) ليصبوا عليه جام غضبهم، بعد أن اكتشفوا أنه هو السبب الرئيس والمباشر في ضياع فلسطين طيلة هذه السنوات، فقد قبضوا عليه متلبساً بالجرم المشهود وهو يحتفل بعيد ميلاد الكيان الصهيوني، ونسوا أو تناسوا أن من يمتلك أرضاً لمدة خمس عشرة سنة دون انقطاع فإنه يكتسب ملكية هذه الأرض بالتقادم.
اليهود وهم يحتفلون بدولتهم كل عام
وبالمقابل أخذ اليهود ينصبون خيم الأفراح ويقيمون الليالي الملاح في كل مكان من هذا العالم، ولم يبق لهم غير فضاء (Google) كي يحتفلوا فيه ابتهاجاً بقيام دولة الكيان الصهيوني فلم يمانع (Google) في ذلك ولم يعترض عليهم، لأنه خُيّر بين خيمة (الحزن) التي يقيمها العرب في كل عام وبين خيمة (الفرح) التي يقيمها اليهود الصهاينة كل سنة وشتان ما بين الخيمتين، لهذا فقد اختار خيمة الفرح وابتعد عن خيمة الحزن.
أنور السادات
وعندما سألت هذا الـ (Google) عن سبب اختياره قال: أنتم العرب تنسون تاريخكم بسرعة، أو بالأصح تأخذون منه ما يعجبكم أو ما تريدون منه وتتركوا لنا الباقي. بالأمس القريب طلب منكم الحبيب بو رقيبة رئيس جمهورية تونس السابق أن تعترفوا بدولة الكيان الصهيوني فأقمتم الدنيا ولم تقعدوها، ولم تكتفوا بذلك بل اتهمتوه بالعمالة، ثم جاء من بعده الرئيس أنور السادات وقام بزيارة غير متوقعة إلى الكيان الصهيوني وعقد معه إتفاقية السلام (كامب ديفد) المشهورة فاتهمتوه بالخيانة العظمى وقتلتوه.
أصبح علم إسرائيل يرفرف فوق أرضكم العربية
حدث كل هذا لكم ومعكم ونسيتموه كله وتذكرتموني أنا كي تصبوا جام غضبكم عليّ، وتناسيتم أنكم أنتم الذين كنتم قد اعترفتم بهذه الدولة قبلي وأقمتم معها إتفاقيات سلام، وأصبح علمها يرفرف فوق أرضكم العربية صباحاً ومساءً، بل وتحلق طائراتها في سمائكم وعلى أرض مطاراتكم. أما ما أستطيع قوله لكم الآن: إنه في المستقبل القريب ستحتفل بعض بلدانكم العربية بقيام دولة إسرائيل مثلما أفعل أنا الآن، عندها ستنسوني وتمسكوا بغيري وتبدؤوا بمهاجمته وتنسون ما فعلته أنا بكم. أرجوكم أن لا تلوموني الآن بل انتظروا قليلاً من الوقت عندها ستلومون أنفسكم أولاً إن كنتم تعقلون.
يغترب الإنسان عندما يجد نفسه في وضع مادي أو معنوي يرفضه
يغترب الإنسان عن وطنه وبلده وأهله وعشيرته عندما يجد نفسه في وضع مادي أو معنوي ـ أو الإثنين معاً ـ يرفضه ولا يستطيع تحمله أو تغييره إلى الأحسن في المدى المنظور فيضطر عندئذ إلى مغادرة وطنه وبلده والخروج عن سربه مكرهاً ليعيش وحيداً في بلد آخر غير بلده الأصلي، والذي قد يختلف معه اختلافاً كلياً في العادات والتقاليد والثقافة. ومع الزمن سيندمج هذا الشخص مع مجتمعه الجديد وتصبح حياته في أرض الوطن مجرد ذكريات تهب عليه بين الحين والآخر.
لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم
وقد يعيش الإنسان الغربة وهو يعيش في بلده دون أن يغادرها، عندما يُفرض عليه أن لا يرى أو يسمع أو يتكلم أو عندما يكون هذا الشخص صادقاً والصدق من حوله عيب أو أن يكون الشخص حالماً والحلم من حوله ممنوع، أو عندما يكون هذا الشخص طيباً وكل من هم حوله يعتبرونه ساذجاً أو عندما يكون هذا الشخص متأملاً حساساً ومتفانياً في المحبة وكل من هم حوله يعتبرونه من الجيل الماضي وينظروا إليه نظرات استهزاء فيحس عندها أنه قادم من عالم آخر و محكوم عليه أن يعيش الغربة في بلده.
مبعدو كنيسة المهد في بيت لحم
وقد تكون الغربة (طوعية) يختارها الإنسان عندما يجد نفسه لا يستطيع الانسجام مع المحيطين به من أفراد مجتمعه أو عندما يجد نفسه لا يستطيع تحقيق متطلباته الحياتية اليومية أو عندما لا يستطيع تحقبق طموحاته التي كان قد رسمها في مخيلته فيضطر هذا الشخص أن يعيش غربة طوعية يفرضها على نفسه وقد تكون هذه الغربة (قسرية) يفرضها عليه عدوه فقد يقوم عدوه بسجنه أو إبعاده بالقوة عن وطنه كما حصل مع مبعدي كنيسة المهد في بيت لحم.
وفي جميع هذه الحالات السابقة يصبح هذا الشخص المغترب عن أهله وعن وطنه وعن بلده بحاجة ماسة إلى من يساعده في التخلص من هموم غربته الجديدة، ويقف معه في حياته اليومية الجديدة فيبدأ في البحث عن معارف جدد يأمل أن يكون منهم أصدقاء جدد ليخرجوه من أوجاع غربته تلك. وهذه الصداقات الجديدة لا تعرف جنسية أو ديناً بعينه أو عمر بعينه بل تكون مما تيسر له من أناس يصادفهم هذا المغترب في حياته الجديدة وللغربة أوجاع لا يعلم بها إلا من عاشها وجربها.
صداقة الغربة من أقوى وأمتن الصداقات
وهذه الصداقات التي يُكوّنها الإنسان في الغربة هي عادة ما تكون من أجمل وأحسن الصداقات وأمتنها على الإطلاق وأبقاها على الدوام لأن الإنسان في الغربة يستبدل أهله ومعارفه وأصدقائهم في الوطن بأصدقائه في الغربة فإذا تصادق شخصان في الغربة يُدخل كل منهما الآخر في حياته الشخصية والعائلية، ويتعرف كل واحد منهم على هموم الآخر وعلى أهله وأقاربه حتى ولو لم يرهم من قبل ويصبح هذا الصديق فرداً من أفراد عائلة صديقه يعيش همومهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم دون أن يكون فرداً منها.
المتدين الحقيقي هو ذلك الشخص الذي ليس مضطراً لمدح نفسه على أنه مؤمن أمام الآخرين، ولا أن يتفاخر بالإيمان أمام الآخرين، لأن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل. فعندما يقول الشخص عن نفسه مثلاً أنه من (الإخوان المسلمين) فهذا الإسم وحده يحمل في طياته إدانة للآخر فكأنه يقول: إن الآخرين ليسوا بإخوان لي وليسوا بمسلمين، وعندما يقول الشخص عن نفسه أنه من (أحرار الإسلام) فكأنه يقول أن باقي المسلمين الآخرين هم من العبيد.
حزب الله
وعندما يقول الشخص عن نفسه أنه من (السّلفيين) فكأنه يقول أن المسلميين الآخرين هم (مُحدَثون) ولا يتبعون القرآن والسنة، وعندما يقول الشخص عن نفسه أنه من (المقاومة الإسلامية) فكأنه يقول أن المقاومين الآخرين ليسوا بمسلمين ومن يقول عن نفسه أنه من (حزب التحرير) فهذا يعني أن غيره من المسلمين يريد الاحتلال، ومن يقول عن نفسه أنه من (حزب الله) فهذا يعني أن غيره من (حزب الشيطان) والقائمة تطول وتطول لو أكملنا أكثر.
كل إنسان حزبي ديني إما أن يكون مُضَلِّلاً أو مُضَلَّلاً
فالأحزاب الدينية ذات منشأ غربي والهدف من تعددها هو تبرير قيام دولة يهودية في فلسطين على أساس الدين المقابل. ولإثارة الفتنة الطائفية المستندة إلى هذه (الفئات التكفيرية) والتي تكفرك ما دمت تختلف معها في الرأي بعد أن نصبوا من أنفسهم (آلهة) تحكم على الناس بما تمليه عليهم (غرائزهم) تحت ستار الدين، وبعد أن قاموا بفرز الناس حسب ميولهم ورغباتهم وأصبح كل إنسان يتبنى وجهة نظرهم، فإما أن يكون (مُضَلِّلاً) أو (مُضَلَّلاً) وفي كلتا الحالتين سيكون هذا الشخص (عدواً) للثقافة والحضارة والعلم ويسير بعكس الدين تماماً، ونسي كل هؤلاء أن الدين يحض على المساواة بين الناس جميعاً فما بالك بين المسلمين أنفسهم.