لحظة تحطيم الأمنية


جميل
أريد منك أن ترفع من علامتي لمصلحتك الشخصية 

في أحد الأيام كان قد حضر طالب من طلابي إلى غرفتي في المدرسة وأعلن عن عدم رضاه عن علامته في أحد الإمتحانات ودخل في مساومتي على رفع علامته في هذا الإمتحان فقلت له:أعندك إجابة صحيحة لم أصححها؟قال:لا فقلت له:أعندك إجابة صحيحة وأنا خطأتها لك؟قال:لا فقلت له:أعندك خطأ في جمع علامات الأسئلة؟قال:لا فقلت له:إذن ماذا تريد؟قال:أنا لم أحضر عندك كي أعرف الصح من الخطأ فأنا أعرف الصح جيداً وإنما أريد منك أن ترفع من علامتي لمصلحتك الشخصية أولاً ثم لمصلحتي ثانياً.

untitled
الأنهار تظل عذبة حتى تصب في البحار المالحة

قاطعته في الحال وقلت له:لمصلحتك لقد فهمتها فكيف تكون لمصلحتي؟فتابع كلامه قائلا:أستاذي أتريد كذباً يخدعك لكنه يسعدك أم تريد صدقاً قد يشقيك؟فوالله إني أحبك وأحترمك لكنني أريد أن أقدم لك النصيحة فقلت له:من ينصح الآخر المعلم أم الطالب؟قال:في زمانكم كان الأستاذ ينصح طالبه أما وقد رضيت أن تدخل زماننا هذا وتدرسنا فعليك أن تقبل نصيحة طالب محب لأستاذه فقلت له:هات ما عندك يابني فكلي آذان صاغية فقال:أظنك قد نسيت ما كنت قد قلته لنا وأنت تعلمنا بأن (الأنهار تظل عذبة حتى تصب في البحار المالحة) وأظنك أيضاً أنك كنت قد نسيت ما كنت تقول بأن (الناس يدفنون الحسنات ويظهرون السيئة).

tumblr_inline_mx6tk3iybo1s5mn14
لن أعُلم أحداً من بعدك 

ثم تابع كلامه قائلا:لو علم والدي بعلامتي المُتدنية هذه فسيعمل فيك مثل ما عمل في مٌعلمة أختي فبالأمس عندما أحضرت أختي شهادتها المدرسية وكانت علامتها مُتدنية في مبحث الرياضيات شكى والدي معلمتها لإدارة المدرسة وقاموا بإنهاء عقدها فوراً وأظنك تعلم أن والدي مُتنفذ وأنا أخاف عليك من أبي ولا أريد منك أن تُنهي عقدك بيدك والكيّس من إتعظ بغيره قلت له:أرجوك أن تتحمّلني أنت وأبوك إلى أن تنتهي هذه السنة وأعدك أن أخرج من زمانكم هذا كي يبقى في ذاكرتي ذاك الزمان الجميل الذي كان المعلم فيه كالجبل لا يهزه الريح فلن أعُلم أحداً من بعدك وستكون أنت وأبوك مسك الختام في هذه المهنة المباركة.

imagesULKZCKVL
من إعتاد التعامل مع الخشب لا يستطيع أن يتعامل مع القش والاسفنج

بعد هذه الحادثة قلت لنفسي وأقول لكم أيضاً أنه:عندما يُستبدل الخشب في المنجرة بالقش والإسفنج فلا بد لك أن تستبدل النجار أيضاً لأن من إعتاد على التعامل مع الخشب لا يستطيع أن يتعامل مع القش والاسفنج والعجيب في الأمر أن المنجرة عندما كانت تصنع أثاثها من الخشب  الخالص لم تحصل على شهادة الآيزو لكنها بعد أن صنعت أثاثها من القش والاسفنج أعطوها شهادة الآيزو فهم بذلك كمن خدعها بقولهم حسناء هكذا فهموا حصولهم على شهادة الآيزو التي تقول لهم أن الزبون على حق دائماً وعلى المدرسة أن تُرضي الطالب ووليّ أمره لأنه هو الزبون الذي يدفع وفي العادة من يدفع يوجه.

 لماذا تركت مهنة التعليم؟

كسروا قدسية غرفة التدريس


img
المدير 

غرفة التدريس من الأماكن التي كانت مقدسة في الماضي ويجب أن تبقى كذلك إلا أنهم في هذه الأيام كانوا قد كسروا هيبتها وقدسيتها ومن المعلوم أنه إذا كُسرت قدسية المكان كُسر المبدأ الذي من أجله كان قد قدّس ففي الماضي القريب كان المُعلم ملك غرفة صفه لا يدخلها ولا يخرج منها أحد إلا بإذنه أما في هذه الأيام فيدخل إليها من يريد أن يدخل ويخرج منها من يريد أن يخرج دون إذن المعلم وقد يدخل مدير المدرسة غرفة التدريس دون أن يستأذن المعلم ويدقّ جرس موبايله وهو في غرفة التدريس فيفتحه ويُناقش من معه على الخط الآخر وعلى الهواء مُباشرة في أشياء شخصية لا تهم الطلبة في شئ وإنما تأخذ من وقت الحصة ويُتبع كلامه لهم أنه ممنوع إستخدام الموبايلات في المدرسة.

S_thumb_10401000_adaptiveResize_700_1000
 كولر ماء بارد وساخن 

أما الأكل والشرب في غرفة التدريس فهو ممنوع منذ وُجد التعليم أما في هذه الأيام فعادي جداً أن يُخرج الطالب ساندويشته ويأكلها في الصف وإذا إحتاج إلى الماء فيوجد كولر ماء بارد وساخن في غرفة التدريس ليشرب ويسقي غيره أثناء سير الحصة وفي الفرصة يعمل شاياً ويشرب إذا أراد لأن الماء الساخن موجود على الدوام وما بقي عليه إلا أن يحضر معه كيس الشاي من بيته.

تنظيف
 شركات تقوم بالتنظيف وما على الطالب إلا أن يرمي 

كان الطلاب في الماضي يُسألون عن نظافة غرفهم الصفية أولا وعن نظافة المدرسة ثانياً أما اليوم فهناك شركات تنظيف تقوم بالمهمة وما على الطالب إلا أن يرمي وغيره يُنظف أما كرسي المعلم وطاولته فكانت من المُحرمات والكل يسعى لتجميلها سواء بتغطيتها أو بوضع الورود عليها أما كرسي اليوم فأصبح كرة يلعبون بها في الصف والطاولة أصبحت حاملة لقصاصات الورق وغبار الطباشير وسكب الماء عليها فهو مُتوفر ولا يبعد عنها كثيراً أما كرسي الطالب فمتحرك ينقله إلى المكان الذي يريد ويكتب عليه اسم عائلته أو عشيرته أو أصله أو طائفته أو بلدته وهذا كله يتنافى مع رسالة التعليم.

لماذا تركت مهنة التعليم؟

غيروا إسم المفتش إلى موجه


images
لحل أي مشكلة يكفي تلوينها فيتغير إسمها 

لا زلنا (كمجتمع) نؤمن بالحلول (السحرية) للمشكلات!لا سيما بعد أن إبتكر لنا قادتنا (الميدانيين) طريقة جديدة من طرق حل المُشكلات والتي تقول: يكفي لحل أيّ مشكلة تلوينها فيتغيير إسمها وتختفي من الوجود فمثلا لحل مُشكلة (الأعمى) قاموا بتغيير إسمه وأطلقوا عليه (البصير) وأقنعونا بأنهم قد حلوا مُشكلته ولحل مشكلة (سنّ اليأس) عند المرأة قاموا بتغيير إسمه وسموه (سنّ الأمل) وأقنعونا بأنهم حلوا مشكلة المرأة ولحل مُشكلة (الموت) قاموا بتغيير إسمه إلى (عُرس) وأقنعونا بأن الموت لم يعد مشكلة ولحل مشكلة التعليم قاموا بتغيير إسم (المُفتش) إلى (مُوجه) وأقنعونا بأنهم حلوا مشكلة التعليم إلى الأبد.

www_abod-1_com (9)
الموجه ما هو إلا مُدرس استطاع أن يُقنع مُديره بشخصه 

بعد هذه السنين الطويلة التي قضيتها في سلك التعليم والتعلم وجدت أنّ ما يُسمونه (مُوجهاً) ما هو إلا (مُدرس) إستطاع أن يُقنع مُديره بشخصه بعد أن فشل في إقناع طلابه بشخصيته وبأن هذا الموجه يُجيد فن العلاقات العامة ويميل إلى الكسل والوجاهة أكثر من أن يُجيد فن التدريس وبعد أن يصبح موجهاً يقوم بتوزيع عُيوبه على كل المُدرسّين المسؤول عنهم فكلما قلّ عددهم زادت عُيوبهم وكلما زاد عددهم قلت عيوبهم والعجيب في الأمر أنه يعرف نفسه أكثر مما يعرفه الآخرون لكنه بعد أن يُصبح مُوجهاً يكتشف عبقريته (لوحده) بعد غياب طويل.

16614791-orange-cartoon-characters-sit-in-on-a-lecture
أقترح أن يكون في المدرسة صفّ يُدرّسه هؤلاء المُوجّهون 

وإذا به صاحب صولات وجولات وتجارب وإختراعات في حقل التربية والتعليم يجهلها كل من كان يتعامل معه من زملائه المدرسين المسؤول عنهم فيجعلها مُقرراً إجبارياً عليهم لينهلوا من علمه (الغزير) حتى ولو كان طالباً عند أحدهم وبرأيي الشخصي أنّ هذه الوظيفة (زائدة) على الجسم التربوي فهي تربك التعليم ولا تقدمه وإذا أصرّ البعض على وجودها أقترح عليهم أن يكون في كل مدرسة صفّ يُدرّسه هؤلاء المُوجّهون (الفطاحل) وحدهم ليُخرّجوا لنا (عباقرة) للأيّام القادمة.

لماذا تركت مهنة التعليم؟

كسروا هيبة المعلم


_00_0__0
كل إدارة تجبر المعلم أن يغير لونه ويتلون بلونها

كسروا هيبة المُعلم وأصبح هذا المعلم المسكين مُطارداً من قبل الجميع مطارد من قبل  الإدارات المدرسية المُتعاقبة فكلّ إدارة تأتي تنسف ما بنته الإدارة التي سبقتها وتلوّن المُعلم بلونها الجديد وعندما تذهب هذه الإدارة وتأت إدارة جديدة غيرها يضطر هذا المُعلم أن يُزيل لونه القديم بنفسه ويلوّن نفسه بلون الإدارة الجديدة ولك أن تتخيّل كم مرة تتغيّر هذه الإدارات في المدرسة الواحدة؟وكم مرة يقوم المُعلم بتغيير لونه أمام طلابه مما أفقده مصداقيته أمامهم؟.

images_bmjx
يُريد الطالب أن ينجح وبأي طريقة كانت

وأصبح المُدرس مُطارداً أيضاً من الطالب نفسه فهو لا يُريد أن يسمع ما يقوله المُدرس في المدرسة ولا يُريد أن يدرس في البيت لكنه يُريد أن ينجح وبأي طريقة كانت أما وليّ أمر الطالب فيُقنع نفسه بأنه يدفع على ابنه مبالغ طائلة في المدرسة ويُوفر له كل شيء من مُستلزمات تعليم هذه الأيام فهو يُرسله إلى المراكز المُختلفة ويُحضر له العباقرة من المدرسين الخصوصيين ويدفع لهم المبالغ الطائلة وبالتالي له الحق في أن يرى أولاده من المتفوقين أما إذا حصل العكس فسببه يكون مُعلم المدرسة فقط لا غير.

12728783_1307985722561125_8588923053983644609_n

وأصبح المُعلم فوق ذلك هو الحلقة الأضعف بين موظفي المدرسة فيُكلفونه بأعمال السكرتارية فعليه أن يجمع الصور والرسوم وطلبات دفاتر تأجيل خدمة العلم وطلبات وشراء الكتب للطلبة ويقوم بأعمال كل المهن المساعدة الأخرى ممّا قد يُعرضه للمُسائلة فيما لو حصل خطأ ما وأحياناً يدفع من جيبه الخاص ثمن هذا الخطأ وأصبح المُعلم يقف أمام الطالب في مراكز الشرطة وقد يكون رئيس المركز أحد طلاب هذا المعلم وقد التقيت مرة مُوجهاً كبيراً في وزارة التربية يمدح نفسه ويشكر الله على أنه لم يدخل مركزاً للشرطة قط عندما كان مُعلماً لكن زملائه جميعاً دخلوها مراراً وكان هو الذي يتكفلهم.

36169

وأصبح المُعلم مُطارداً من الصحف اليومية ونادراً أن يخلو عدد من صفيحة يومية من مُشكلة صنعها معلم لطالب غلبان وإذا لم يجدوا مُشكلة عندنا يستعيروها من الأخبار العالمية وقد تمكن التلفاز أيضاً من منافسة هذه الصحف اليومية لا بل تفوق عليها بعد أن أصبح يقف مع الضحية الطالب بالصوت والصورة حتى أن المُعلم لم يسلم من الفن والفنانين فها هي مدرسة المشاغبين وأبطالها قد أصبحت مثلا يحتذى به لطلابنا من المحيط إلى الخليج فنكون بذلك قد وحّدنا أمتنا العربية على الاستهزاء بالمعلمين كمقدمة للوحدة العربية الكبرى وكلما نسيها جيل تقوم هذه المحطات بتذكيره بها في الأعياد والمناسبات الرسمية وما أكثرها.

Lets-have-conversation
أصبحت محطات البث الإذاعية تدلنا على المدارس الجيّدة والمُدرسون الجيّدون الذين يدفعون لهم ثمن الإعلان

وأخيراً ساهمت محطات البث الإذاعية الجديدة وألقت بدلوها هي الأخرى في حقل التعليم ولكن بطريقة مُختلفة وأصبحت تدلنا على المدارس الجيّدة والمُدرسون الجيّدون الذين يدفعون لهم ثمن الإعلان من خلال عرضهم لبرنامج اسمه أستاذ على الهوى يمدحون فيه كل من يدفع لهم أكثر بعد أن يُجهز هذا الأستاذ جوقة من أولاده وزوجاته وجيرانه وأقاربه ليكيلوا له المديح على الهواء مباشرة وتساعدهم المُذيعة بعد أن تتحمس فتطلق على من يدفع ألقاباً ما أنزل الله بها من سلطان مثل أصغر مدير في العالم العربي وملك الرياضيات في الشرق الأوسط الجديد وقاهر الكوفيين والبصريين في النحو والصرف وغير ذلك من الألقاب التي لو استمعت إليها لعشت سوق عكاظ جديد.

403044964_352660880

وقد تفنن المسؤولون من خارج الميدان وجعلوا المُعلم حقلا لتجاربهم واخترعوا له أعمالا كتابية أثقلوا عليه بها ليقال عنهم أنهم يُطوّرون في مهنة التعليم لكن الخلل يأتي من المُعلم نفسه الذي لا يستخدم استراتيجياتهم التي يضعونها له ولكي يظهروا أنفسهم أمام مسؤوليهم بأنهم مُطوّرين ونسوا أو تناسوا أن من يُطور هو الميدان نفسه وقد سمعت أخيراً وليس آخراً عن الخط الساخن الذي تنوي الوزارة تركيبه في المدارس كي يتصل منه الطالب إذا تحرّش به أستاذه وأنا بدوري أقول للوزارة ما عليها إلا أن تنتظر سنوات معدودة وستركب خطاً ساخناً آخر ولكن هذه المرّة للمعلم إذا تحرّش به الطالب.

c3b8c2aac3b9e2809ac3b8c2afc3b9c5a1c3b8c2b1-c3b8c2b7c3b8c2a7c3b9e2809ec3b8c2a81
كتب شكر وهمية تعطى للطلاب 

وأصبح همّ الإدارات المدرسية التعرّف على وليّ أمر الطالب بدلا من الطالب نفسه فاذا كان والده في مركز مرموق يجلسوه بينهم ويشركوه في قراراتهم ويخترعون له مجالات التفوق الكاذبة ويشبعوه من شهادات الشكر والتقدير والجوائز والمكافأت لأسباب عدة منها اتقاءاً لشره أولاً وللحصول على خدماته بشكل أو بآخر ثانياً أو قد يُحتمى به في يوم من الأيام عندما تهب عليهم رياح التغيير ثالثاً ويحدث كل هذا وأساتذتهم مركونون على الرف.

dsc03769
ألغوا القيام والجلوس بفتوى دينية 

كان في الماضي القريب يُقام للمعلم ويُقعد والقيام للمُعلم لا يعني استعباد للطالب كما فهم أو كما يدّعي البعض لكنه يعني أن يترك هذا الطالب كل شيء بيده ويُغلق على ما يدور في رأسه من أفكار لا تعني المعلم القادم ليستمع للحصة وأما القعود فيعني أن الطالب أصبح مُستعداً لتلقي الحصة فألغوا القيام والجلوس للمُعلم بفتوى دينية لا تنطبق إلا على هذا المعلم فقط بدليل أنهم ما زالوا يقومون ويقعدون لجميع المسؤولين الآخرين.

img_1394328115_146
المدير يقرر موعد الإمتحان ويلغيه إذا إحتج الطلاب 

أذكر وأنا في المرحلة الابتدائية عندما كان الأستاذ يسأل طالباً في جدول الضرب مثلاً ولا يعرف الجواب كان يقول له اجمع كتبك ويُنزله صفاً أو صفين إلى أسفل ولم أسمع من كان يجرأ على الاحتجاج أما اليوم فقد سلبوا من المُعلم صلاحياته فالمُدير يُقرّر موعد الامتحان ويُلغيه إذا احتج أحد الطلاب على موعده وهو الذي يُقرّر إعادة الإمتحان ويتدخل في نتيجة هذا الإمتحان لصالح الطالب حتى أنه يُملي على المُعلم علامة السلوك للطلبة وليس مُربي الصف.

3038_6_29_82
أجبروا المعلم على حملها إما بين يديه أو في صندوق 

أما أداة التعليم الأبدية وهي مسّاحة اللوح فيقوم أحد الطلبة بإخفائها مُتعمداً فيستعير المعلم مسّاحة من صف مُجاور فيخفيها الطالب هي الأخرى وتتكرر هذه العملية إلى أن يصبح في الطابق الواحد مسّاحة واحدة ومثل هذا الموقف لا يعني الإدارة بشئ لأن ضبط طلابهم سيُخفف من شعبيتهم فتفتقت قريحتهم بإصدار فرمان يُلزم كل مُعلم بحمل مسّاحته وطباشيره معه فيقوم المُعلم بكتابة اسمه على مسّاحته خوفاً من استعمالها من قبل زميل له وهم بذلك استطاعوا أن ينقلوا المشكلة من الطالب إلى المعلم ويجبروه على حملها إما بين يديه أو في صندوق أو علبة ولك أن تتخيل المنظر.

d8add985d8a7d985d8a9
حارس البستان 

ولا ننس صورة المُعلم في الأفلام المصرية القديمة فقد جرت العادة على أن تكون صورة هذا المعلم مُشوشة ومُحبطة ومُتخلفة ولا تعيش في هذا العالم بل تعيش في عالم آخر وصاحب شخصية تُقاد ولا تقود فكان لكل هذه الأسباب وغيرها الكثير أن جعلوا من شخصية معلم المدرسة أقل شأناً من حارس البستان فحارس البستان يا سادة على الأقل تهابه الطيور الضعيفة أما المعلم في هذه الأيام فلا يهابه أحد لا بل أصبحت الصقور تحط فوق رأسه وتسخر منه.

 

 لماذا تركت مهنة التعليم؟

وبقي المعلم محترماً إلى أن جاء المرتزقة


2725358
أصبح التعليم في زماننا هذا مهنة من لا مهنة له 

أصبح التعليم في زماننا هذا مهنة من لا مهنة له فأيّ جامعيّ عاطل عن العمل يستطيع أن يعمل مُدرساً إن لم يكن في مدارس وزارة التربية ففي مدرسة خاصة ويبقى في هذه المهنة المؤقتة إلى أن يتوب الله عليه ويجد عملا آخر بمهنته الأصلية فيترك التدريس لأهله ويذهب إلى مهنته الحقيقية وفي الماضي الذي ليس هو بالبعيد كان التعليم طريق يسلكه كل من (يُفكر) بالقيادة والزعامة وما أن يحصل على الخبرة التي يُريدها يترك التعليم وأهله لا بل يحقد عليهم لأنهم يُذكروه بماض كان قد تولى ولا يريد تذكره من خلالهم بدليل أن معظم قياداتنا كانوا قد جربوا التدريس وعاشوا ظروف المهنة لكنهم لم يُغيروا فيها شيئاً عندما أصبحوا في مراكز القيادة.

23211048
 اربط الحمار أينما وحيثما يُريد لك صاحبه

والأغرب من هذا كله أن غالبية المُدرسين الذين رأيتهم يكرهون مهنتهم لكنهم مُستمرون فيها تحت شعار (إربط الحمار أينما وحيثما يُريد لك صاحبه) فتحت هذا الشعار دخل وأُدخِل على هذه المهنة مفاهيم جديدة لا تمت إلى التعليم بصلة فهناك من درس زراعة أو هندسة أو تجارة وأصبح يقود ويُنظر في التعليم وطرق التدريس ولم يكتف هؤلاء الناس بذلك بل أغرقوا وزارة التربية والمديريات والمدارس بجيش من العاطلين عن العمل وخلقوا لهم وظائف سموها (مهن مساعدة) كي تساعد المدرس في العملية التعليمية.

images-1-22
المهن المساعدة أصبحت سلطة أخرى على المعلم 

فأصبحت هذه المهن سلطة أخرى على هذا المعلم ولكنها هذه المرة سلطة (غير متعلمة) أضيفت إلى ما عليه من سلطات وهذه الفئة لا تفهم شيئاً عن كرامة المعلم وبشكل عام لا يهم المرتزقة الذين كانوا قد دخلوا في سلك التعليم تعلّم أولاد (يعبد) أم لم يتعلموا بل تهمهم مصالحهم الشخصية فهم كالخلايا السرطانية عندما تدخل في جسم الإنسان فهي تعيش لنفسها فقط ولا يهمها الجسم الذي تعيش في داخله.

لماذا تركت مهنة التعليم؟

رسالة مفتوحة للجميع


scan10129
مع طلابي في ثانوية عبدالله السالم في الكويت 

عندما تخرجت من الجامعة، لم أكن أفكر في المكان الذي سأعمل به، ولا بمقدار الراتب الذي سأتقاضاه مقابل ذلك العمل، لأن التعليم كان عندي أمنية وهواية، قبل أن يكون مهنة، زد على ذلك أن حاجتي في ذلك الزمان كانت قليلة، وطلباتي في ذلك الوقت كانت أقل بكثير من هذه الأيام، أما طموحاتي فلم يكن لها سقف محدد، فأنا كنت من جيل مُشبع بالقومية العربية حتى العظم، ومن جيل كان قد تعلم وتربّى على أن بِلَاد العُرب أَوْطَاني مِن الشَّام لبغدان.

scan10222
كانت الكويت تسمي نفسها بلاد العرب 

لكن وجود أخي الأكبر في دولة الكويت في ذلك الوقت، جعلني أُفضّل الإقامة والعمل في دولة الكويت على غيرها من الدول العربية الأخرى، لا سيما وأن الكويت كانت تُسمي نفسها، والناس تُسميها (بلاد العرب). وما هي إلا سنوات ليست قليلة، حتى بدأت موجة المد القومي في الإنحسار، وظهرت بدلاً منها  (موجة) من القطرية والعنصرية، اجتاحت معظم البلاد العربية، ومن ضمنها الكويت، عندها أصبحت أنتظر اليوم الذي أعود فيه إلى وطني، كي أعلم أولاد بلدي.

Scan10452
وتحققت أمنيتي بالعودة إلى أرض الوطن

وجاءت حرب الخليج بخيرها وشرها، وتحققت أمنيتي بالعودة إلى أرض الوطن، وبدأتُ التعليم في بلدي، حيث كنت قد عملت مدرساً فِي مدرسة (خاصة) لمدة خَمْس عَشْرة سَنَة متصلة، تغيرت فيها إدارات كثيرة، لكنني لم أطبّل أو أزمّر لأي من هذه الإدارات، ولم أكن من زُلمها، أو من سدنتها، أو من خدمها، أو من حاشيتها، فهمشوني، وغيبوني، وخيروني بين أن أبقى في مهنة التعليم التي قد حولوها إلى مهزلة، أَو أن أحطم الأمنية، فاخترت (تَحْطِيم الأُمْنِيَّة)، على أن أبقى في المهزلة، عندها هَلَّلَ وَكبّر عبيد (الظلمة). 

d8b7d8b7d8b7d8b7d8b7
لم أجد من كل هذه الإدارات حتى كلمة شكراً  

وخلال هذه السنوات الخمسة عشر، كنت قد وصلت (القمة) في العطاء والبذل والتفاني، بعد أن تراكمت لديّ (خبرات) مختلفة فِي التعليم والتعلم،(وشهد) لي معظم من كنت قد درّستهم من الطلاب بالأمانة والإخلاص، والأداء المتقن في العمل، والخبرة العالية إلا هذه الإدارات المتعاقبة في تلك المدرسة، وعلى إختلاف ألوانها وتوجهاتها، فلم أحصل من أحد منهم حتى على كلمة شكراً في (العلن) خلال هذه السنوات الطويلة.

1397853257
كَيْف كنت عند غيرهم؟وكيف إنتهيت عندهم؟

أما في (السر)، فكان معظم هذه الإدارات يطلبون مني أن أُعلّم لهم أولادهم (خصوصي) في البيت، وفي نهاية العام يقومون بتجميد راتبي عندما يعجزون عن الخصم منه، بينما كانوا يغدقون العلاوات والزيادات لمن يصفق لهم أكثر، ومنهم من لم يكتف بالتجميد والخصم يل امتد نظره لمكافئتي السنوية، فأعطاني (إنذار) كي يخصم نصفها، مما جعلني أعرض عليكم بعضاً من سيرتي الذاتية في بداية طريقي المهني، لا للإستعراض والتباهي كما قد يظن البعض، ولكن لتَرَوْا بأم أعينكم، كَيْف كنت عند غيرهم؟ وكيف انتهيت عندهم؟.

كتب شكر