السبت 17/9/2016:
منذ البارحة، عاد الألم إلى رقبتي، وكتفي، وصدري، بعد غياب قصير، بينما كانوا موظفو المركز يتمتعون في إجازة العيد. وغاب الطاقم الإداري في قسم الأشعة، فالدكتور المسؤول عن الأشعة في الحج، ونائبه مجاز، والطبيب المعالج خارج البلاد، والطبيب المتواجد في المركز، والذي اتضح أنه من معارف ضياء، لا يستطيع بدء العلاج، دون برنامج واضح، موافَق عليه من قبل. لهذا فقد مضى يومنا هذا، ونحن بين حبة مورفين وأخرى، وبين اختياري لوضعية في الجلوس تناسبني، وأرتاح عليها، من بين وضعيات كثيرة متعبة. وكنت أتعلق بالشعار: اشتدي يا أزمة تنفرجي، كما يتعلق الغريق بقشته.
الأحد 18/9/2016:

في هذا اليوم، لا زلت بانتظار انفراج الأزمة بعد اشتدادها، فالألم لا يزول إلا بحبوب المورفين، تُرى كيف كان وضع المرضى قبل اكتشاف مثل هذا المورفين؟ وما هي إلا ساعات قليلة، وإذا بمركز الحسين يتصل بنا لإعطائنا موعداً مع عيادة الألم، واتصال آخر مع الطبيب المعالج، واتصال آخر مع قسم الأشعة العلاجية. فرحتُ لهذا الاتصال، وقلت في نفسي: لقد لاح بصيص أمل في الأفق، وحمدت الله أن بيتنا قريب من هذا المركز، وإلا لقضينا اليوم في شوارع عمان جيئة وذهاباً إلى المركز. ساعد الله المرضى الذين يأتون للعلاج من أطراف المملكة، وحتى من خارجها. ومع كل هذا، فقد ارتفعت معنوياتي، ولو قليلاً، فموعدنا غداً، وإن غداً لناظره قريب، هذا الانتظار سيكون مملاً للإنسان العادي، فما رأيكم لو كان هذا الانتظار لشخص مريض مثلي؟ فهو سيكون بعيداً بعيداً.
الإثنين 19/9/2016:

منذ الصباح الباكر، انطلقنا خمستنا إلى مركز الحسين وانقسمنا إلى فريقين: ذهب الفريق الأول إلى عيادة الطبيب المعالج، بينما ذهب الفريق الثاني لتأكيد موعد الأشعة، فأنا لا زلت أجد صعوبة جمّة في الحركة، لذا، من الأفضل التأكد من الموعد قبل المغامرة، بالذهاب إلى قسم الأشعة، والانتظار هناك. وما أن وصلنا ذلك القسم، حتى تم تفصيل غطاء واقٍ لرأسي، لاستعماله أثناء هذا العلاج، كما حدّد لنا القسم مواعيد الجلسات الخمس الآتية، وبعدها، انطلقنا إلى عيادة الطبيب المعالج، والذي قابلناه بعد طول انتظار، لشدة الازدحام في المستشفى، خصوصاً بعد عطلة العيد.

وما أن التقى بنا هذا الطبيب، حتى بدأ يوضح لنا أن الأولوية الآن لعلاج الرقبة، وما حولها، لأنها مصدر الألم حتى الآن، لذا سيوقف العلاج الكيماوي مؤقتاً، حتى ينتهي من علاج الأشعة. وتساءلت مع نفسي في الحال، هل ستنجح الأشعة مع هذا النوع من الورم، بعد أن فشل معه العلاج الكيماوي؟ فيزيائياً قد يكون هذا الاستنتاج صحيحاً، فالأشعة توجه مباشرة إلى الخلايا المصابة، أما العلاج الكيماوي فهو خبط عشواء يُوجه إلى خلايا الجسم كافة، فقد يصيب الخلايا المصابة أو الخلايا السليمة على حد سواء.

أما الجولة الأخيرة لنا بالمستشفى فكانت في عيادة الألم، والتي تمت فيها إعادة توزيع العلاج في مواعيد جديدة، وبكميات جديدة أيضاً. بعد تحقيق طويل من طبيب عيادة الألم حول الألم وشدته وأوقاته. عقب هذه الجولة، قفلنا عائدين إلى البيت، يملؤنا شعور كبير بالأمل، فقد اهتدت بوصلتنا إلى طريقها الصحيح مرة أخرى. وتساءلت هل تصيب الأشعة سرطاننا بمقتل أم أنه سيفلت منها كما فلت من العلاج الكيماوي؟ فلو فشلت الأشعة هذه المرة بطرده، فسنقاومه، لكن بوسائل أخرى لا أعلمها، لكنني أعلم أنه لن يفلت أبداً منها. ومع هذا أقول لا أحد يعلم ما يخبئه لنا القادم من الأيام.
الثلاثاء 20/9/2016:

على الصعيد السياسي، اليوم يوم انتخابات مجلس النواب الاردني. أما على الصعيد الشخصي، فهو يوم الاستفراغ العالمي، لقد استفرغت مرة بعد الفطور، ومرة ثانية بعد الغداء، مما جعل العشاء يقتصر على البطاطا المسلوقة فقط.. حدث كل هذا، لأن دكتور عيادة الألم كان قد رفع جرعة المورفين، حتى وصلت 90 ملغم يومياً، ناهيك عن بضع حبات هنا وهناك، عندما كان يشتد الوجع. وفي هذا اليوم، فهمت شعور العديد من المواطنين، بعدم أهمية الانتخابات بالنسبة لهم، فأولويات العلاج، ولقمة العيش، والسكن، تفوق رفاهية الانتخابات واجتماعاتها ومناسفها.

في هذه الأيام، بدأت تساؤلات كثيرة تصدر عن أحفادي الصغار حول جدّهم، والتغيرات التي كانت قد حصلت عليه، فهم لم يعتادوا رؤيتي ممدداً أغلب الأيام، دون أن ألاعبهم أو أسألهم أسئلة رياضية، وتنوعت إجابات أبنائي وزوجاتهم في شرح ما حدث لجدهم، فمنهم من باح بالحقيقة كاملة غير منقوصة، ومنهم من اكتفى بالإشارة إليها عن بعد، دون الخوض بالتفاصيل. لربما يعود ذلك إلى طبيعة الفرد منهم، فمن يتحلى بالشفافية، كاشف أبناءه بالوضع كما هو، ومن هو بعيد عنها أوضح لأبنائه بعض الحقيقة. على الرغم أنهم كلهم أبنائي، إلا أن كلاً منهم ينتمي لمدرسة فكرية مختلفة كما أنشأتهم في صغرهم.
الأربعاء 21/9/2016:
في هذا اليوم كنا قد تلقينا اتصالاً تلفونياً من مركز الحسين للسرطان يفيد بأنه سيكون يوم الخميس هو أول أيام مواعيد العلاج بالأشعة، وكان هذا الاتصال قد أفرحني، وجعلني أشعر بشيء من الراحة أفضل من ذي قبل، تبعه نشاط يومي جيد، مقارنة بالأيام السابقة، لهذا فقد اقترح علاء تقليل جرعة المورفين التي أتناولها يومياً، إلى أن تصل إلى إلى 60 ملغم يومياً، بشرط أن يكون هذا التقليل على التدريج.
الخميس 22/9/2016:

في هذا اليوم بدأت مرحلة العلاج بالأشعة، مع كل ما يشوبها من تخوفات، إذ سمعت الكثير عن أعراضها الجانبية من حرقٍ وألمٍ شديد أثناء وبعد الجلسة. ذهبت مع زوجتي وأبنائي إلى المركز عند الموعد المحدد، ليتم إدخالي إلى غرفة الأشعة، وإلباسي القناع الذي تم تفصيله مسبقاً. رغم أن أبنائي يزعمون أن الجلسة لم تتجاوز العشرين دقيقة، إلا أنني أجزم أنها لم تقل عن ثلاث ساعات، فالقناع كان يضغط على رأسي من جميع الجهات، وكانت الحركة ممنوعة، والتجربة جديدة، وفيها رهبة وخوف.

ولا بد لي هنا من الإشارة إلى شخص كبير في السن، عليه ملامح الوقار، كان يجلس بجاني في قاعة الانتظار، قبل دخولي إلى غرفة الأشعة، توقعت أنه كان قد خاض التجربة من قبل، فسألته عن تأثيرات هذه الأشعة، فكانت إجابته لي قد أراحتني قليلاً، وطمأنتني أكثر، بأن تخوفاتي من الحرق والألم غير صحيحة. وبعد دخولي إلى غرفة الأشعة، جلست زوجتي وأبنائي الثلاثة، مع الطبيب المسؤول بالأشعة، والذي شرح لهم عدد ونوعية الجلسات، وتأثيرها المتوقع على الجسم.

أما القناع، وما أدراك ما القناع؟ فقد أعادت لي تجربة تفصيل القناع على وجهي، ذكريات عديدة وقديمة وحديثة، لكثير من الناس الذين كنت قد عرفتهم في حياتي، وهم يحترفون لبس الأقنعة. ليتهم يرون ما أكتبه الآن، ليعلموا أن آثار القناع لا تزول، ولا تختفى، حتى ولو أزالوا أقنعتهم من على وجوههم. أما أنا، فقد ظهرت آثار القناع على وجهي بعد الجلسة الأولى مباشرة، ربما لأنني لم أتعود على لبس الأقنعة في حياتي، ولو لمرة واحدة، أما هم فربما لن تظهر على وجوههم أية آثار تذكر، لأن وجوههم تعودت لبس الأقنعة منذ زمن طويل.
الأحد 25/9/2016:
