(13) عيد الأضحى في المستشفى (13)


الأحد 11/9/2016:

2016-10-07-14-06-30
في قسم الطوارئ مع المُسكّن 

لم أفكر يوماً من الأيام أن يأتي عيد الأضحى المبارك وأنا أتمدد على سرير المرض في غرفة من غرف مستشفى. وأي مستشفى؟إنه المستشفى الذي يكون الداخل إليه مفقوداً والخارج منه مولوداً. كان هذا اليوم وقفة حجاج بيت الله فوق جبل عرفات، وبعض أفراد أسرتي كانوا صائمين. أما أنا فكنت أتألم بأشد أنواع الألم، رقبتي كعمود مُثبت بأسلاك عدة تمنعه من الحركة والتحرك في كافة الاتجاهات إلا في جهة واحدة للأمام فقط، وتمسك بكتفاي ملْزمة تضغط عليهما إلى الداخل، وتمنع يداي من الحركة. فلا وقت للتأجيل حتى ولو كان هذا اليوم هو يوم عيد. فكان علينا كأسرة أن ننسى احتفالاتنا بهذا المناسبة ومتطلباتها ونذهب خمستنا إلى الطوارئ صباحاً. وما أن دخلت المستشفى حتى قام كادر التمريض فيه بوضع إبرة المسكّن في يدي اليمنى.

2016-10-15-18-32-51-4وعلى الرغم من أن قسم الطوارئ في هذا المركز كان شبه فارغ إلا أن الطبيب المناوب تأخر بالحضور وعندما حضر بدأ بطرح علينا مجموعة من الأسئلة الاستفزازية. ولم يكتفِ بذلك بل استمر في تعامله معنا بطريقة غير لائقة حتى أنه نسي أخلاق المهنة ونسي أن هذا اليوم هو يوم عيد وعليه أن يوسع صدره للمرضى في هذا اليوم أكثر من غيره من الأيام. وبقينا في قسم الطوارئ إلى ما يقارب نصف الساعة ثم غادرناهم إلى البيت ومعنا الأدوية التي وصفها لنا هذا الطبيب والتي هي نفسها التي كان قد وصفها ابني علاء.

2016-09-17-05-19-04-2
في لحظة راحة نادرة

في البيت اشتد الألم أكثر، حتى أنني أصبحت غير قادر على الجلوس أكثر من دقائق معدودة، وأصبحت أقضي معظم وقتي مضطجعاً على السرير بوضعية معينة هي فقط التي تريحني نسبياً، وأصبحت بحاجة إلى من يساعدني في كل شيءٍ، عند النوم أو الاستيقاظ، عند خلع الملابس وارتدائها، حتى أنه أصبح دخول الحمام عندي على مراحل. كل هذا جعلني أتهرب من استقبال من يريد زيارتي من الأقارب والأصدقاء، وعزّت عليّ نفسي حتى أنني كنت أرفض أن يكلمني أحد من المعارف والأصدقاء ولو تلفونياً فلم أكلم من كان يود محادثتي في تلك الفترة وهذا يعني أنني كنت أرفض حتى مجالسة الناس، أو استخدام الكمبيوتر، أو قيادة السيارة، بل حتى كان يجبرني الألم على تناول الطعام بسرعة قبل أن يأتي الوقت الذي فيه سيشتد أكثر. 

الإثنين 12/9/2016

153321_8_1439025346
المسكّنات، وما أدراك ما المسكّنات؟

كل عام وأنتم بخير.

هذه الكلمات لم أنطق بها لأحد، ولم أسمعها من أحد، رغم تكرارها على مسمعي مرات ومرات، فالألم كان قد أخذ مني كل مأخذ، ولم يعد لساني ينطق غير الآهات، وأذناي لم تسمعا غير آهاتي. واضح أنه حتى مع مضاعفة جرعة المسكّنات لم يطرأ عليّ أي تغيير يُذكر مما دفع زوجتي وابني ضياء لمراجعة طوارىء المركز صباح اليوم والاستفسار عن مُسكّن أقوى، علماً بأن زوجتي أخبرت طبيب الطوارىء بمضاعفتنا جرعة المسكنات، كما نصح علاء، فما كان من الطبيب إلا إعلان تذمره وغضبه بسبب تصرفنا في مضاعفة الجرعات المسكنة دون استشارة المركز، وبعد شدّ وجذب صرف لي نفس المسكّن بعيار مضاعف بعد أن أكّد علينا مراراً وتكراراً بعدم تجاوز الجرعات المقررة. 

الثلاثاء 13/9/2016:

2016-09-15-17-41-12-1
بعد 67 سنة خبرة ثانوي!

تواصل ابني علاء مع الطبيب المسؤول، وبعد أن شرح له الحالة، أوصى بإدخالي إلى المستشفى بهدف السيطرة على الألم أولاً، وترتيب موعد سريع مع قسم الاشعة العلاجية ثانياً، وذلك للبدء في معالجة الورم في منطقة الرقبة الذي قد أصبح له أولوية في العلاج. ولما نفّذنا ما أوصى به الطبيب ودخلنا قسم الطوارئ استقبلنا الفريق الطبي المتواجد هناك، وعلى الرغم من احترافية الطبيب المناوب، إلا أنه تعامل معنا بفظاظة عندما طلبنا منه إدخالي إلى المستشفى بناء على طلب الدكتور المعالج. وبعد إجراء التحاليل المطلوبة، تمت الموافقة على إدخالي إلى المستشفى، غرفة رقم 516.

2016-09-21-04-59-42-4
الحاسوب من أمامي والسرير من خلفي

بعد الإدخال، توافد علي مجموعة كبيرة من طاقم التمريض والأطباء والخدمات، كل في مجال اختصاصه لسحب ما أحتاجه من عينات، ومراقبة درجة الحرارة وضغط الدم ومستوى السكر فيه. بعدها قام فريق الألم بزيارتي، والاستماع إلى تفاصيل المرض، والاستفسار عن طبيعة الألم، وقوته، والأماكن الأكثر ألماً في جسمي. وبعد تحليل كافٍ لكافة المعلومات نصحونا بالبدء بجرعة من المسكن القوي (المورفين)، والاستمرار في هذه الجرعة لتحديد مستوى الجرعة المطلوبة لحالتي، مما استدعى بقائي في المستشفى حتى يتم تقرير الجرعة المناسبة. قضيت هذا الوقت جالساً أمام الحاسوب أو متبادلاً لأطراف الحديث مع أفراد الأسرة حسب ما كان يفرضه عليّ الألم.

هذه أول ليلة في حياتي أبيت فيها بمستشفى.

الأربعاء 14/9/2016:

2016-09-17-05-18-57-2
تناول الإفطار في المستشفى

بعد تناول الفطور قدّم لنا علاء طبقاً من التين (الحماضي) ورغم أنني في البداية رفضت أكله لعلمي بأن موسمه كان قد انتهى، إلا أنني بعد أن تناولت منه حبة أعجبني وكررتها مرات ومرات. وفي هذه الأثناء زارنا الطبيب المعالج ضمن جولته الصباحية على مرضاه وطلبت منه بإصرار مغادرة المستشفى اليوم إلا أنه استطاع أن يُقنعني بضرورة البقاء لليلة أخرى في المستشفى لمراقبة جرعة المسكّن التي أحتاجها وتحديد مستواها في الأيام القادمة. وأصرّت زوجتي على المبيت عندي في المستشفى رافضة محاولات أبنائي الثلاثة بأن ينام أحدهم بدلاً عنها.

الخميس 15/9/2016:

2016-09-17-05-19-02-2
الإبرة اللئيمة!

صباح هذا اليوم قرر الأطباء الموافقة على خروجي من المستشفى وإنهاء رحلة إجازة العيد في المركز فطلبت من كادر التمريض أن يزيل من يدي مكان وجود الإبرة (Cannula) إلا أنهم أصرّوا على بقائها في مكانها حتى تحين ساعة الخروج تحسباً لأي طارئ، وعندما أزالوها من يدي شعرت براحة كبيرة. وغادرت المستشفى مع زوجتي وأبنائي يتملكني شعور بالحرية تماماً كالأسير الذي خرج للتوّ من سجنه. وما أن وصلنا البيت حتى بدأ الألم يخف مع إحساس نسبي بالراحة والحرية في المنزل، والجلوس أمام جهاز الكمبيوتر عند الإمكان، ومتابعة مدونتي الخاصة، وتبادل أطراف الحديث مع زوجتي وأبنائي وزوجاتهم وأحفادي بالإضافة إلى أصدقائي في وسائل التواصل الاجتماعي.  

يبدو أننا لا نقدّر قيمة بيوتنا إلا عندما نضطر إلى مغادرتها. 

 تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s