
كانت بيوت هذه القرية في خمسينات القرن الماضي بيوتاً طينية، أي مبنية من الحجر والطين، وقبل أن يدخل فصل الشتاء كان على كل إمرأة في القرية أن تستعين بقريباتها وجاراتها كي (تُطيّن) سطح بيتها، ومع هذا فإن معظم بيوت أهل القرية، كانت تعاني من (الدلف) في الشتاء، أي تسريب الماء من السقف على شكل نقاط مائية، وهذه النقاط مجتمعة تبلل فراش النائم، لهذا تصحو الأم من نومها في الأيام الماطرة، وتضع أوعية فوق الأطفال النيام، لحمايتهم من البلل، وكم من مرة صحوت من نومي على صوت نقط الماء الساقطة من السقف، عندما كانت تتفرقع في الوعاء الموضوع فوقي وأنا نائم.

أما عملية (التطيين) هذه، فعلى المرأة أن تحضر كمية مناسبة من التراب الأحمر النقي، وتضيف إليه كمية مناسبة من (القصل) والماء، وتقوم بخلطها جيداً، ثم عجنها معاً، وبعد ذلك تقوم بتطيين سطح بيتها من هذه الخلطة الطينية، وما أن ينتهي فصل الشتاء من كل سنة، ويأتي فصل الربيع، حتى تجد كل البيوت التي طُيّنت في القرية قد اكتست بحلة خضراء جميلة من نبات القمح أو الشعير، وذلك بعد أن تنمو بذور القمح أو بذور الشعير المتواجدة في القصل.

وكانت الجدران تُبنى من الطين والحجر، وهذا بحد ذاته لم يكن مشكلة، فكان الرجل يبني وزوجته تُطيّن ما يبنيه، لكن المشكلة كانت تبدأ عندما ينتهي بناء الجدران، ويراد سقف هذا البيت، فهم بحاجة إلى خشبة قوية مستقيمة طويلة لتوضع فوق جدران البيت، كي تحمل ما سيوضع فوقها من خشب أصغر منها وحطب وتراب وطين، وما من خشبة فيها كل هذه المواصفات مجتمعة أفضل من خشبة شجر (الصنوبر) الموجود بكثرة في جبل (راس زيد)، والذي يبعد عن قريتنا حوالي ثلاثة كيلومترات، فكيف لهم أن يُحضروا مثل هذه الخشبة من قمة جبل راس زيد إلى القرية؟.

وما أن ينتهي الشخص من بناء جدران بيته، ويريد سقفه، يذهب إلى جبل راس زيد، ويبحث له عن شجرة صنوبر تناسب بيته، بحيث تكون ساقها طوبلة مستقيمة، ثم يقوم بقطعها، ومن معه بواسطة (الجازور)، ويزيل ما عليها من أغصان صغيرة (بالقدوم)، ثم يقوم بحرق الأعشاب والنتش من تحتها، ومن فوقها ومن حولها، كي يتبخر ماؤها ويخف وزنها، ثم يعلن للعموم في القرية عن يوم محدد لنقل هذه الخشبة من جبل راس زيد إلى بيته، وفي هذا اليوم يلبي كل شباب القرية النداء، ويهبوا جميعاً لمساعدة صاحب البيت ومعهم من يستطيع ويقدر من الأطفال والشيوخ.
