
- قد يُتَوِّجُ الحاكم العربي نفسه حاكماً على شعبه إلى الأبد، وقد يُتوجه شعبه حاكماً عليهم إلى الأبد أيضاً، فلا فرق بينهما وفي الحالتين فإن الشك يبقى يساور هذا الحاكم في كل من هم حوله لأنهم ليسوا من صنع يديه ولا يضمن ولاءهم له، فهم من المخضرمين الذين أعطوا ولاءهم لمن حكموا قبله، لهذا سيكون أول هدف يضعه هذا الحاكم نصب عينيه هو استبدالهم على الفور وبالسرعة الممكنة.

يبدأ هذا الحاكم في البحث عن غيرهم فيختار (النوابغ) من الفقراء المعدمين ليقوم بتعليمهم والصرف عليهم، آخذاً في عين الاعتبار المثل الشعبي العربي القائل: أطعم الفم تستحي منك العين، وهذا الاختيار سوف يُظهر الحاكم أمام شعبه بأنه يشجع العلم والعلماء ويناصر الفقراء، فهو يشبه الخليفة المأمون في زمانه، وهو في نفس الوقت يعطف على الفقراء والمساكين فهو يشبه الخليفة عمر بن عبدالعزيز.

وخلال فترة تعليمهم هذه يقوم الحاكم بتدريبهم كما يدربون كلاب الصيد عنده، وذلك بأن يجوعوها فترة من الزمن ويطلبوا منها شيئاً ما تفعله، فإن استجابت ألقموها قطعة من اللحم وإن لم تستجب استغنوا عنها وجاؤا بغيرها، وبهذا يعرضهم هذا الحاكم لاختبارات الولاء ويختار منهم كلابه ويقوم باستبدال من لا يثبت جدارته ممن وجدهم حوله بالتدريج، وما يزيد عن حاجته منهم يقوم بإهدائه إلى أقاربه ومعارفه وأصدقائه كي يبقوا تحت الطلب.

وأما هؤلاء الكلاب الذين تم اختيارهم فكانوا قد تجرعوا مُرّ الفقر حتى أسهلهم فيجدوا أنفسهم وقد حررهم هذا الحاكم من العوز والفقر فيحيطون به ويصبحون مُلْكاً له وليس مُلْكاً لمجتمعهم، ويقوم الحاكم بعدها باستبدال الحاشية المخضرمة بهؤلاء الكلاب الجدد ويقوم بوضعهم في الواجهة، فينظر إليهم بقية المثقفين من أفراد المجتمع بعين من الحسد، وقد تجد من هؤلاء المثقفين من اختار أقصر الطرق للوصول إلى الهدف، وذلك بأن يرتمي في أحضان هؤلاء الكلاب طواعية من تلقاء نفسه.

ويقوم مثل هذا المثقف بعرض خدماته على كلاب السلطان مستغلاً ثقافته وعلمه بعد أن يضع كل ما حصل عليه من علم وثقافة لخدمة هؤلاء الكلاب، بدلاً من أن يضعه في خدمة مجتمعه الذي علمه من قوت يومه بعدها سيتسابق كل هذا الجيش من هؤلاء المثقفين والكلاب بصنع معاجم ومفردات خاصة كي يستخدمها الحاكم في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في كل مناحي الحياة، ولن تسلم منها خطب المساجد ولا كتب الطلاب في المدارس والجامعات.
