
قال: أنا لم أطلب منك أن تسحب كلامك الآن عن كرم أولادك ونبل أخلاق زوجاتهم، بل كل ما أطلبه منك أن تنتظر قليلاً حتى تقترب من النهاية، عندها قل ما تشاء عنهم وعنهن، لكنني قبل ذلك كله أريدك أن تعلم جيداً إن كنت لا تعلم، بأن المال يبقى في حياتنا اليومية أهم من الأولاد، ومعهم البنات أيضاً، لأنك بالمال وحده تستطيع أن تشتري الأولاد، ومعهم الأحفاد والأخوة، والأخوات والأقارب والأصدقاء، وحتى الجيران. فما عندك منه؟.

قلت: عندي راتب تقاعدي متواضع يكفيني ذلّ السؤال، ويغنيني عن حاجتي للناس.
قال: هذا يعني أنك لست غنياً.
قلت: أتدري من هو الغني يا صديقي؟.
قال: نعم، أدري فالغني هو من يمتلك أكثر.

قلت: لا يا صديقي الغني هو من تكون حاجته للناس أقل.
قال: أرجوك أن تدع الفلسفة جانباً، وتجيبني بصراحة على سؤالي: ما مجموع أرصدتك في البنوك؟.
قلت: رصيدي ليس فلوساً مُكدّسة في البنوك، فأنا لست من الأغنياء كما كنت قد إستنتجت لوحدك.

قال: لقد حيرتني أكثر فما هو رصيدك إذن؟.
قلت: رصيدي في حياتي وحتى بعد مماتي هم أولادي وإخوتهم.
قال: هذا لغز مُحيّر لم أستطع فهمه،وضّح لي أكثر لو سمحت.

قلت: ما الذي لم تفهمه فيما قلته لك؟.
قال: إخوتهم.
قلت: إخوتهم يا عزيزي، هم طلاب كنت قد درستهم في الماضي البعيد، ولا زلت في ذاكرتهم،لهذا فهم أصبحوا كأولادي تماماً.
قال: أولادك هم أولادك، فلا تتوهم بإخوتهم كثيراً.

قلت: كيف لي أن لا أتوهم؟ ومنهم من تذكرني بعد أربع وثلاثين سنة، وقام بإرسال تذكار مع هدية لي، كي أبقى أتذكرهم من خلاله، ومنهم من دعاني لزيارته في بلده، أليس مثل هؤلاء يُعدّوا في مرتبة الأبناء؟.
قال: فلسفة قديمة جديدة، تستخدمها كي ترضي نفسك، أنا متأكد بأنك ستتنازل عن هذه الفلسفة عند حزّها ولزّها، وسوف لن ينفعك في هذه الدنيا غير ما جمّعته من مال، فالمال وحده يا صديقي هو من يستطيع أن يشتري لك الناس ليصبحوا عبيداً عندك لو أردت.
