
الرجل المسن:يجب عليك يا ولدي أن تفهم جيداً بأن الأخوة يبقون إخوة (لهم نفس الأهداف والمفاهيم والأفكار والإحساس المشترك) إلى أن يتزوجوا وبعد أن يتزوجوا سيدور كل واحد منهم في فلك مختلف تماماً ترسمه له زوجته ليسير عليه إن آجلا أو عاجلا وستتغير أهدافهم ومفاهيمهم وأفكارهم السابقة عن الحياة والناس مع الزمن كل حسب ميول وأهداف زوجته وأهلها وقد يتقارب هؤلاء الأخوة بعض الوقت إذا تقاربت نسائهم ولكنهم غالباً ما يتباعدون.

لكن وجود الأم يا ولدي يمنع زوجاتهم من التحليق عالياً فالأم تبقى يا ولدي حلقة الوصل الوحيدة بين أولادها شئن زوجاتهم أم أبين فهي ستكون بمثابة المركز لهذه الأفلاك جميعاً مهما تباعدت أو تقاطعت هذه الأفلاك وعندما تموت الأم يا ولدي تتحرر نسائهم فتسحب كل زوجة من زوجاتهم زوجها على هواها في الإتجاه الذي كانت قد رسمته لنفسها ولزوجها وسرعان ما يصبح هؤلاء الأخوة بعد موت أمهم أولاد عم وبعد فترة من الزمن يصبحون أقارب وبعد مدة يصبحون جيران.

فأنا مثلاً يا ولدي لم تغادر ذاكرتي حتى الآن تلك الأيام الخوالي التي كنا نجلس فيها معاً كـأخوة نحتسي الشاي أو القهوة قبل أن نتزوج لنرسم الخطط اللازمة لتحقيق الأهداف التي كانت مشتركة بيننا ثم نقوم بتوزيع الأدوار بيننا كي نستطيع أن نتجاوز معاً الأيام الصعبة التي كانت تمر علينا أما اليوم يا ولدي فقد أصبح بيننا كأخوة فجوة كبيرة وشاسعة سببتها لنا زوجاتنا وهن يتصارعن فيما بينهن على من تستطيع أن تتملك زوجها أسرع من غيرها لتذهب به بعيداً عن إخوته الذين كانوا قد عاشوا معه الأيام الحلوة والمرة.

صاحبنا:وهل يُعقل أن أشقاءاً عاشوا أياماً حلوة وأياماً مرّة تحت سقف واحد ومن أم واحدة ومن أب واحد أن تفرقهم نسائهم؟.
الرجل المسن:لا تستهن ياولدي بجبروت المرأة فهي قادرة على إشعال نار الفتنة والحروب بين القبائل والعشائر إن هي أرادت ذلك وتاريخنا العربي القديم يزخر بمثل هذه الحروب الكبيرة التي كانت قد سببتها إمرأة.

صاحبنا:هل لك يا سيدي أن تعطيني مثالاً من الماضي البعيد على إمرأة قسمت العرب إلى عربين من هؤلاء اللواتي كنت قد حدثتني عنهن قبل قليل؟.
الرجل المسن:أفضل مثال أقدمه لك يا ولدي هي البسوس فهي التي كانت قد أشعلت حرباً ضروساً سميت هذه الحرب بإسمها بين قبيلتي بكر وتغلب وكانت هذه الحرب قد نشبت عندما قتل كليب التغلبي ناقتها المزيونة فاستنجدت البسوس على إثر ذلك ببني قبيلتها فانتصر لها جساس البكري الذي قام بقتل كليب إنتقاماً لناقتها فتداعى فرسان القبيلتين بكر وتغلب للحرب واستمرت هذه الحرب أربعين عاماً لم تزرع لهم فيها نخلة ولم تلد لهم فيها ناقة.

صاحبنا:كلامك هذا يا سيدي صحيح لكنه ينطبق على نساء جاهلات عشن في الماضي البعيد دون تعليم أو ثقافة أو دراسة أما نساؤنا في هذه الأيام فهن متعلمات مثقفات يترفعن عن هذه الخزعبلات.
الرجل المسن:عليك يا ولدي أن تعلم إذا كنت لا تعلم بأن كيد النساء وألاعيبهن وحيلهن على الرجال لا دخل له بزمن معين ولا دخل له بالتعليم أو الثقافة فالبنات يرضعن هذا الدهاء مع حليب أمهاتهن ولا يحتجن إلى أحد يعلمهن مثل هذا الفن بعد الزواج.

صاحبنا:أنا آسف يا سيدي على مقاطعتك فيما كنت تود قوله فيا حبذا لو تواصل ما كنت تحدثني به عن نفسك إن أحببت ذلك.
الرجل المسن:وبقينا إخوة نتقاسم الحلوة والمرة يا ولدي إلى أن تزوجنا جميعاً وبدأت كل زوجة من زوجاتنا تسحب زوجها إلى الطريق الآخر إلا أن زوجة أحدنا كانت قد تفوقت عليهن كثيراً في الدهاء ونحن يا ولدي كنا صغاراً في السن نجهل ألاعيب النساء وحيلهن وبدأت هذه الزوجة تخطط لإحداث هوة بيننا كي تستطيع أن تظفر بزوجها بعيداً عنا وللأسف الشديد نجحت هذه الزوجة في إحداث تلك الهوة نجاحاً باهراً.

واستطاعت هذه الزوجة بدهائها وحنكتها وخبرتها أن تسحب زوجها من بين أفراد أسرته كما تسحب الشعرة من العجين ولم تكتف هذه الزوجة بذلك بل بدأت تنشر الدسائس وتثير الخلافات بيننا كأسرة فأحدثت بذلك شرخاً كبيراً بيننا لا يمكن ترميمه وكان هذا الشرخ قد سبب لنا الفرقة والعداوة والتباعد وبعد أن حققت هذه الزوجة ما أرادته منا تحولت إلى زوجاتنا بعد أن أكلتها الغيرة منهن وبقيت كذلك إلى أن تمكنت من جعل كل واحد منا ينكفأ على نفسه ولا دخل له بغيره وبهذا نكون يا ولدي أربعة أشقاء فرقتنا إمرأة.
