
الرجل المسن:لا يمكن أن تكون الزوجة بديلاً عن الأم يا ولدي لأن حب الزوجة لزوجها شيء وحب الأم لولدها شيء آخر فحب الأم لولدها ثابت لا يتغير أبداً مع الأيام فهو يبدأ كبيراً وينتهي كبيراً أما حب الزوجة لزوجها فيبدأ صغيراً ثم يكبر مع القادم من الأيام إلى أن يصل إلى القمة في فترة الشباب ثم يبدأ في الهبوط إلى أن يتلاشى في فترة الشيخوخة وبعدها سيصبح زوجها عبئاً عليها تتمنى في قرارة نفسها الخلاص منه في أقرب وقت ممكن بعد أن تكون قد وجدت في حب أولادها وبناتها وأحفادها البديل.

صاحبنا:لكنك يا سيدي لم تقل لي كيف؟ومتى؟ولماذا؟يتلاشى مثل هذا الحب الكبير الذي تبديه الزوجة لزوجها بعد الزواج؟.
الرجل المسن:عندما يلتقي الرجل والمرأة يا ولدي في بداية زواجهما يكون لكل منهما ثقافته وبيئته وهوايته وقدوته الخاصة به لكن سرعان ما يتنازل كل منهما للآخر عن كل خصوصياته وقناعاته هذه مقابل اشباع الغريزة الجنسية وغريزة حب التملك وغريزة حب البقاء والتكاثر الموجودة في داخل كل منهما وبعد أن يُشبع كل منهما غرائزه من الآخر واحدة تلو الأخرى سيعود كل من الزوج والزوجة إلى ثقافته وبيئته وقدوته وهوايته وقناعاته الخاصة به التي كان يمتلكها قبل التعرف على الطرف الآخر لكنه كان قد خبأها في داخل نفسه عند الزواج.

صاحبنا:كلامك هذا يا سيدي كلام عام لم أفهم منه شيئاً على أرض الواقع أرجوك أن توضح لي أكثر.
الرجل المسن:لا تستعجل الأمور يا ولدي فللحديث جذور وفروع فأنت لا تستطيع أن تفهم الفروع إذا لم تتمكن من تفهم الجذور.
صاحبنا:أنا سألتك يا سيدي عن نفسك فقط ولم أسألك عن الناس الآخرين من أمثالك.
الرجل المسن:الحديث العام يا ولدي أفضل بكثير من الحديث الخاص فأنا إذا تكلمت لك عن نفسي فقط سيقول من يقرأ هذا الكلام أن هذه الحالة هي حالة خاصة بهذا الرجل وقد لا تنطبق هذه الحالة على جميع الرجال.

صاحبنا:أنا آسف يا سيدي إذا كنتُ قد تدخلتُ في توجيه دفة الحديث بيني وبينك وأعدك في المرات القادمة أن أستمع لك جيداً في كل ما تريد قوله بعد الآن أرجوك يا سيدي أن تكمل حديثك الممتع هذا وتقول لي كل ما تريد قوله.
الرجل المسن:الزوجة يا ولدي تُفهم زوجها منذ بداية زواجهما بِأَنهَا ستكون معه وله في السراء والضراء وما أن تأت الضراء سيبدأ حبها لزوجها بالذبول ويبدأ ما ادعت به حباً حميمياً يتناقص مع الزمن إلى أن يأت عليها وقت يتلاشى فيه هذا الجب.

فزوجتي اليوم في عهد الشيخوخة لم تعد كما كانت في عهد الشباب فبالأمس كنا قد صنعنا بيننا ولنا لغة وثقافة خاصة بنا بعد أن استطعنا تكوينها معاً على مر الأيام والسنين أما في هذه الأيام وبعد دخولي سن الشيخوخة كنست كل ما كنا قد تعلمناه سوياَ وما كنا قد رسمناه سوياً وقامت على الفور باسترجاع ثقافة أهلها بعد أن أخفتها عني طيلة هذه السنين ولم تكتف بذلك بل انشغلت عني تماماً بنفسها وبأولادها وببناتها وبأحفادها بعد أن توسعت أسرتنا وتزوج الأبناء والبنات.

صاحبنا:هل ينطبق كلامك هذا يا سيدي على كل الزوجات في أيّ مكان وزمان من هذا العالم أم أنه ينطبق فقط على زوجات هذه الأيام؟.
الرجل المسن:لقد تبين لي من سؤالك الأخير هذا يا ولدي أنك تجهل أحداث كثبرة من الماضي كما أنك تجهل الكثير من أحداث الحاضر.
صاحبنا:أنا أقر وأعترف لك وأنا بكامل قواي العقلية بما قلته عني يا سيدي لكن ما دخل جهلي في أحداث الماضي وأحداث الحاضر فيما نتكلم عنه هذا اليوم من نكران جميل الزوجات لأزواجهن؟.
الرجل المسن:إعلم يا ولدي (إن كنت لا تعلم) أن الحاضر هو إبنٌ للماضي ومن لا يعرف ماضيه جيداً سوف لن يعرف حاضره ولا حتى مستقبله فعليك يا ولدي أن تعرف عن ماضي المرأة قبل حاضرها فالمرأة يا ولدي كانت في الزمن الماضي البعبد (ولا زالت في الحاضر) متهمة بأنها تُنكر كل عمل جميل كان قد قدمه لها زوجها.
صاحبنا:أنا يا سيدي لم أفهم ما تعنيه بقولك أن المرأة (تنكر جميل زوجها) فهل لك أن توضح لي أكثر عن هذا الموضوع الذي أجهله لو سمحت؟.
الرجل المسن:نكران الزوجة لجميل زوجها يا ولدي يعني هو ألا تعترف الزوجة لزوجها بلسانها صراحة بما يقرُّ به قلبُها من معروفِ وصنائع جميلةِ كان قد قدمها لها زوجها في الماضي.

صاحبنا:إذن ما عليك يا سيدي إلا أن تُحدثني أكثر عن المرأة قديمها قبل حديثها كي توسع لي مداركي وتزيد من معرفتي بخفايا المرأة في الماضي قيل الحاضر فأنا لا أعرف شيئاً عن زوجات ذلك العصر ولا عن الناس الذين كانوا يعيشون فيه.
الرجل المسن:أكيد أنك لا تعلم شيئاً عن تاريخ العرب في الأندلس وأكيد أنك لم تسمع يا ولدي باعتماد زوجة أبو القاسم المعتمد على الله بن عبَّاد ثالث وآخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس.

صاحبنا:صدقني يا سيدي أنني أجهل تاريخ العرب في الأندلس ولم أسمع من قبل لا عن المعتمد على الله بن عبّاد ولا عن زوجته إعتماد شيئاً فأرجوك أن تحدثني عن ما كان قد جرى بينهما من فضلك.
الرجل المسن:إعتماد يا ولدي كانت زوجة للمعتمد على الله بن عباد وقد أحبها كثيراً حتى أنه غيّر إسمه الحقيقيي واشتق له إسماً جديداً من إسمها وفي ذات يوم أطلت من شرفة القصر التي تقيم فيه فرأت النساء القرويات يمشين في الطين والوحل فاشتهت أن تمشي مثلهن.

وفي اليوم التالي حدثت إعتماد زوجها بأنها تريد أن تقلد القرويات في مشيتهن في الوحل فخاف الخليفة على قدميها أن يمسهما الطين الحقيقي فأمر أن يُحضّر لها طين خاص مُكوّن من المسك والعنبر وماء الورد وبعد أن جهزوه لها جاءت إعتماد وخاضت بقدميها في هذا الطين الذي بلغت تكاليفه آلاف الدنانير وحقق زوجها رغبتها ومشت في الطين وذات يوم سمعت من زوجها كلمة كانت قد أغضبتها فنظرت إليه وقالت:وَاللهِ ما رأيت منك خيراً قط في حياتي فقال لها المعتمد:ولا يوم الطين؟فأجابته على الفور:ولا يوم الطين!.
