المكان:السّالميّة/الكويت
الزمان:أغسطس 1990

تخيل نفسك عزيزي القارئ أنك تقود مركبتك في أي شارع من شوارع أي بلد في هذا العالم الواسع واقتربت من نقطة تفتيش فماذا تتوقع أن يطلب منك الشرطيّ المُتواجد على رأس عمله؟وإذا حصل بينك وبين هذا الشرطي حوار فهل تستطيع أن تتخيل موضوع هذا الحوار؟ لن أنتظر منك جواباً على هذين السؤالين لأنني كسائر عباد الله أعلم جوابهما سلفاً سيطلب منك ذلك الشرطي أوراقك الثبوتية وأوراق سيارتك ليقوم بتدقيقها ويُعيدها إليك مشكوراً.

إلا في الكويت بعد إحتلالها آنذاك فقد تحوّل إسم (نقطة التفتيش) لتصبح (سيطرة) وهذه السيطرة تقسم الشارع إلى قسمين: قسم للعامّة أمثالي وقسم آخر V.I.P وتحوّل الشرطيّ إلى جندي بلباس الحرب وعندما تمر على إحدى نقاط هذه السيطرات فلن يسألك هذا الجندي عن أي شيء يخصّ الأمن ولا حتى عن الوطن نفسه لأن لباسه الحربي يفرض عليه أن يكون فوق هذه الأسئلة البسيطة فهو مُجهـز للحرب وساقته ظروفه بالغلط ليكون في هذا المكان وينوب عن الشرطي الذي غاب عن مكانه.

وفي أحد الأيام كنت قد إقتربت من أحد هذه السيطرات وعندما رأيت ما رأيت من جنود وضباط في لباسهم الحربي المُخيف تسارعت دقات قلبي وتسائلت في نفسي: إذا كان العراق قد وضع كل هذا العدد الهائل من الجنود والضباط على نقاط السيطرة في المدن فما هو عدد الجنود المحاربين يا ترى؟ أبشري يا فلسطين وانتظري فما هي إلا أيام ويدخلوك منتصرين وبدأت أنتظر حربهم القادمة مع اسرائيل وأقول في نفسي:قواكم الله ونصركم على أعدائكم كي تنصرونا على أعدائنا بعد ذلك.

وعندما وصلت إلى نقطة السيطرة أبرزت له أوراقي وأوراق سيارتي معاً ظناً مني أنه سيطلبها جميعاً، لكنه لم يلتفت إليها ولم يعرها أي اهتمام بل بادرني بسؤال لم أكن أتوقعه ولم أكن أعلم جوابه في ذلك الوقت عندما قال لي: ما هو مقاس إطار سيارتك عيني؟قلت له: لا أعلم ودققّ النظر في عجلات سيارتي وقال: مقاسها 15 عيني أتريد أن تشتري لها إطاراً بسعر أرخص من السوق؟ قلت له: لا أريد شكراً قال: إذن إحفظ مقاس إطار سيارتك لأنك ستُسأل عنه في السيطرة القادمة قلت له: شكراً لكم فقد علمتمونا الكثير الكثير وليس مقاس الإطارات فقط. وقبل أن أحرّك سيارتي نظر بداخلها فوجد بداخلها مسابح كثيرة مُعلقة في مرآة السائق فطلب مني واحدة فأعطيته.

أما أنا فقد كنت قد دخلت السيطرة وأنا أدعو لهم بالنصر وغادرتها وأنا مشبع بالهزيمة والإحباط مُعترف بجهلي السياسي وبدأت أحلامي تتقلص إلى أن مررت على سيطرة ثانية فلم أحضّر أوراقي هذه المرّة ولم يسألني جندي السيطرة حتى عن مقاس الإطار كما في السيطرة السابقة بل عرض عليّ على الفور إطاراً مقاس 17 لسيارتي فقلت له: أنا آسف فمقاس إطار سيارتي 15 وخذ مسبحتك التي كنت قد نسيتها في سيارتي فأنا حفظت الدرس جيداً فقال: شكراً عيني الله وعليّ ويّاك.
