
تحمّس الرجل الغاضب وتابع كلامه قائلاً: نحن شعب لا يَبني الواحد منا نفسه بل ينشغل في هدم ما بناه غيره ليس مُهمًا أن ننجح لكن المُهم أن نُفشل الناجحين ليس مُهماً أن نشرب لكن الأهم أن يشرب غيرنا كدراً وطيناً نحن نقول بألسنتنا ما ليس موجودًا في أفئدتنا ويتغيّر (ولا يُغيّر) من يُصبح مسؤولاً منا وتتغيّر كذلك نظرتنا له وسيختلف كلامُنا أمامه عن كلامنا مع بعضنا البعض.

نحن نعمل في السر ما نستحي منه في العلانية لهذا فنحن نمتلك الكثير من الأقنعة ولكلّ مُناسبة قناعها ليس الفرح هدفنا لكننا نحاول قتله في قلوب الفرحين منا وإذا لم نستطع نتظاهر معهم بأنّا فرحين مثلهم إننا نعرف كيف نقول الكثير الكاذب كما لو كان صدقاً كما نعرف عندما نرغب أن نخلق من الخرافة والسحر صدقاً إننا نكبح جماح الماشي كيْ لا يصل إلى هدفه تحت ذريعة مساعدته ونمنع العامل من الوصول إلى عمله تحت ذريعة الأمن والأمان.

نحن ننحر الذبائح ونطبخ المناسف ونقيم الولائم لا من أجل إكرام الضيف كما ندّعي ولكن من أجل أن يمدحنا ذلك الضيف ويتغنى بكرمنا أمام الآخرين تى العلم لم يُغير من سلوكنا وفكرُنا ولم نعد ندرسه لذاته وإنما ليُقال عنا بأنا مُتعلمون بعد الحصول على الشهادة نقوم بتعليقها على الحائط كلوحة فنية أو نركب عليها لنصل إلى أهدافنا غير المعلنة.

نحن نحوّل الهزيمة إلى نصر وهمي وقت ما نشاء قد أنشأت كل فئة منا إعلاماً (راقصاً) يبث وجهة نظر صاحبه مهما كانت درجة صحتها نقنع أنفسنا بعد ذلك بالإنتصار ونتوّهم بأننا أقنعنا الآخرين قبل أن نقنع أنفسنا!نحن نكيل بمكيالين في حياتنا اليومية فإذا عمل إثنان العمل نفسه ندين أحدهما ونجعل من الثاني بطلا!إننا نطالب غيرنا بعمل الصواب ونعفو أنفسنا منه ولا نضع أنفسنا مكان الآخر لنعرف ظروفه بل نصدر الأحكام عليه بحسب قربه وبعده عنا!وعندما نخطيء نبرر أخطاءنا ونعتبر الإعتراف بالخطأ خطيئة.

ما زلنا ندافع عن الخرافة والسحر والشعوذة في حياتنا اليومية!وما زلنا نقرأ القرآن على الماء ونستخدمه في علاج أمراضنا المستعصية!وما زلنا ننتظر الحجر والشجر ليدلنا على مكان تواجد عدونا والعدو ماثل أمامنا ومن خلفنا!ولم نكتف بذلك بل أصبحنا ننتظر هذا الشجر والحجر ليساعدنا في القضاء على عدوّنا الصهيوني الذي إغتصب أرضنا وشرد شعبنا!وما زلنا نستعين بالجن في عملياتنا الجراحية وما زلنا نُعلم ونتعلم مراقبتهم وتصنيفهم وإخراجهم من أجسادنا.

ولا زلنا نزرع العداوات والبغضاء بيننا وندّعي أمام الناس بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا ونظهر مع من نُكن لهم العداوة والبغضاء في المناسبات العامة والخاصة وكأنّ الوئام والإنسجام والهدوء والإستقرار هو السائد بيننا تعلمنا من الديوك صراعها ومن الأفاعي لدغتها ومن الثعالب خداعها ومن الصقور عُدوانيتها ومارسنا غزو القبائل وأسرنا الحرائر وقتلنا الضمائر وحرقنا المكاتب والمزارع ورقصنا بالأموات في الشوارع.
