
في الماضي الذي هو ليس بالبعيد يا مولاي كانت ثقافة العائلة هي الثقافة (السائدة) في عقول أبنائنا وبناتنا وكان شعارنا في ذلك الوقت: أنا وأخي على إبن عمي وأنا وإبن عمي على الغريب أتعلمون من هو هذا (الغريب) المقصود في هذا المثل؟ إنه إبن العائلة (المنافسة) في القرية أو المدينة التي يسكنون فيها فكان الشغل الشاغل لكل أفراد العائلة هو إضعاف تلك العائلة المنافسة لها في القرية أو في المدينة وبأي طريقة كانت حتى وصل الأمر بنا إلى قتل المتفوقين واللامعين من هذه العائلة المنافسة كي لا تقوم لهذه العائلة قائمة في المستقبل.

وفي شرع العائلة أيضاً يا مولاي: أن لا يتزوج الرجل إلا من إبنة عمه وعليه سيُفرض على أحد الطرفين القهر الأبدي حيث لا يستطيع أي من العروسين الفكاك من الآخر تحت ذريعة العرض واللحم والدم ويبقون على خلاف فيما بينهم إلى أن يشاء الله وهذا الخلاف الخفي ينعكس على الأسرتين معاً ويمتصه الأولاد من ذويهم منذ نعومة أظفارهم عندما يتمترس كل ولد خلف أمه أو أبيه وبهذا ينتقل الخلاف للأولاد والأحفاد من بعدهم وقد لا يكون هذا الخلاف ظاهرًا على السطح أو حتى للآخرين لأننا يا مولاي نتقن طمس الحقائق وإخفائها.

أمّا اذا قرّرت عائلة ما مُصاهرة عائلة أخرى غيرها فيتمُ على الفور تبادل كلمات الترحيب ويقوم مُمثل كل عائلة بمدح العائلة الأخرى ويصفها بالكرم والشهامة والمروءة وحسن الإستقبال والضيافة وبعد الإنتهاء من هذه المراسم تعيد كل عائلة حساباتها وتبدأ في تغيير مواقفها فأهل العروس يودون أن يرفعوا سقف مطالبهم إلى حدها الأعلى تطبيقاً للقاعدة التي تقول: الشئ الذي لا يخرج مع العروس لن يلحق بها.

أما أهل العريس فيودون تخفيض مُتطلبات العرس إلى حدها الأدنى بالرغم من قولهم في البداية أنهم (جمال) وَما على أهل العروس الا تحميلهم ويأتي حفل الزواج يا مولاي ليكون إستعراضاً للقوة والغنى من قبل العائلتين معاً ويجسدون ذلك في أغانيهم في ليلة العرس حين يقولون في أغانيهم: يا عريس لا تهتم إحنا شرّابين الدم بعد ذلك تبدأ كل عائلة بتجفيف صفات العائلة الأخرى والتي قيلت في الإحتفال وتصبح العائلتان عدوتين بعد أن كانت صديقتين حتى ولو لم يظهر ذلك للعلن.

في الماضي القريب يا مولاي كان اذا تزوّج الرجل من خارج قريته فهنا تصبح معركة حقيقية بين القريتين تُفرض فيه ما يسمونه في عرفهم بـ (شاة الشباب) وهو مبلغ من المال يدفعه العريس وأهله إلى أهل قرية العروس مُقابل تنازل شبابهم عن العروس ولك أن تتخيّل إذا ما دفع العريس هذا المبلغ أو لم يدفع نوع العلاقة التي ستسود بين العروسين وبين القريتين بعد الزواج فهناك من سيكون رابحاً وهناك من سيكون خاسراً.
