
وصلت إلى دمشق قادماً من حلب ومتجهاً إلى الكويت وفور وصولي بدأت البحث عن مكتب سياحة وسفر من أجل حجز مقعد لي على الطائرة المتجهة إلى الكويت في نفس اليوم وعلى الأكثر باليوم التالي ظناً مني أن الطائرة كالسيارة أركبها وقتما أشاء عندما وجدت ذلك المكتب دخلت وحييت من فيه وطلبت حجزاً للكويت اليوم أو غداً فاجأني موظف المكتب عندما قال لي: إن أقرب حجز لك إلى الكويت سيكون بعد أسبوع من الآن فقلت له: إن الفلوس التي بحوزتي تكفيني اليوم وبالكاد غداً أرجوك أن تقدم حجزي كي أحفظ ماء وجهي فردّ عليّ بلهجته الشامية المحببة إلى نفسي قائلاً: هذه مُشكلتك.

استمر في عمله دون أن يعرني أيّ انتباه إلى أن ساد الصمت بيننا للحظات قطعه صوت الباب يُفتح ورجل يدخل علينا ـ يقف الموظف له مُرحباًـ طالباً من الموظف أن يحجز له مقعداً على طائرة الكويت فقال له الموظف: حاضر أخي فلان أعطني جواز سفرك وسأحجز لك على طائرة الغد إن شاء الله وافق الرجل وحجز له وودّعه وانصرف.

قلت للموظف: لماذا يا أخي لم تستجب إلى طلبي ولم تقبل رجائي بينما حجزت لهذا الرجل غداً دون أن يُلزمك بموعد؟ قال الموظف بعد أن استغفر الله وحمده: أتدري من هو هذا الرجل؟ فقلت له: لا أدري ولا أريد أن أدري ولكنني أدري أن الناس سواسية كأسنان المشط فقال: مشط الأمس يا سيدي غير مشط اليوم وأنت عن أي مشط تتكلم؟ مشط الأمس كان يصنع من عظم الحيوان فكانت أسنانه كلها متساوية لأن كل الناس كانوا يُسرّحون شعورهم بطريقة واحدة.

أما اليوم فلهم في تسريح شعورهم مذاهب وطرائق ولم يعد مشط الأمس يُستخدم اليوم فأنا مثلاً لا أسرّح الجزء العلوي من شعري كالسفلي وفتح دُرج مكتبه وأخرج منه المشط الذي يتكلم عنه وإذا به صف واحد بحجمين مختلفين من الأسنان نصفها من النوع الكبير ونصفها الآخر من النوع الصغير وقال: إن هذا المشط يمثل مجتمعاتنا العربية في هذه الأيام الكبير فيها يُصغر نفسه ليبدوا صغيراً والصغير يُكبر نفسه ليبدو كبيراً كي يتكلم الجميع عن المساواة وما هي بمساواة لكنها خيلت لهم.

ثم سألني سؤالاً ما كنت قد فكرت به سابقاً ولم أتوقعه اليوم ولن أعرف جواباً له حتى في المستقبل من أي النوعين أنت؟ وتابع كلامه دون أن ينتظر مني جواباً لسؤاله: هذا الرجل من أسنان المشط الكبيرة فهو تاجر كبير كثير السفر ومن أمثاله أعيش أما أنت فمن أسنان المشط الصغيرة تحجز عندي مرة ولن تعود ثانية.
