
مع ظهور نتائج التوجيهي لعام 1968 يكون قد إنتهى مبرر وجودي في ضيافة إبن عمي والتي إستمرت إلى ما يقارب السنة أو يزيد قليلاً وعليّ أن أغادر الأردن إلى أي مكان آخر لا أعلمه حتى الآن لكنني تذكرت أنني بحاجة إلى جواز سفر كي أتمكن من السفر لهذا كان لا بد لي من الحصول عليه أولاً وقبل كل شيء لكنني عندما تقدمت بأوراقي لاستخراجه طلبوا مني طلبات تعجيزية لا أستطيع تلبيتها لكن الله كان قد يسّر لي شخصاً لا أعرفه إسمه أبو خليل الشركسي الذي إستطاع أن يخفف لي من طلباتهم وساعدني في الحصول عليه ولم أكن أعلم كذلك أن جواز السفر وحده لا يكفي للسفر لكنني كنت أعلم جيداً أنني لن أستطيع العودة إلى أهلي وبلدي ولا حتى الالتحاق بأخي الأكبر الذي كان يعمل ويقيم في الكويت.

وكانت الجامعات في تلك الأيام تُعد على أصابع اليد الواحدة وأنا لم أكن أعلم عنها شيئاً كغيري من شباب تلك الأيام ولا حتى عن التخصصات التي كانت تدرسها وكل ما أعلمه عن التعليم في ذلك الوقت:أن المدرس الفلاني جامعي أو دار معلمين أو مترك وقمة طموحي كان في ذلك الوقت أن أكون معلماً جامعياً كي أدرس الرياضيات أما كيف سيكون ذلك؟فلم أكن أعلم.
أبلغني أخي الأكبر المقيم في الكويت بأنه إستطاع الحصول على قبول لي في إحدى جامعات تركيا وطلب مني السفر إلى هناك لدراسة الهندسة ولم أكن أعلم شيئاً عن الهندسة ولا عن المهندسين لا بل لم أر في حياتي كلها مهندساً لكن عليّ أن أنفذ ما طُلب مني فذهبت إلى السفارة التركية في جبل عمان وطبعت الفيزا على جواز سفري الجديد وسافرت إلى تركيا براً عن طريق سوريا.

وركبت السيارة من مدينة الزرقاء في الأردن إلى مدينة دمشق في سوريا واسترحت في مدينة حلب وهناك إلتقيت بطلبة عرب أمثالي يبحثون عن مقاعد جامعية لهم وفهمت منهم أنني أستطيع أن أدرس الرياضيات في جامعة حلب فدغدغت هذه الكلمات مشاعري القديمة وقررتُ البقاء في حلب رغم علمي الأكيد بمعارضة أخي الأكبر وتأتي معارضته هذه كونه كان مدرساً سابقاً فعرف مهنة التعليم عن قرب وعرف ما لها وما عليها ولا يريدني أن أكون مدرساً مثله.

أما أنا فلم يكن عندي خبرة في السفر المهم أنني أريد أن أسافر وفقط وسافرت وكان كل ما أملكه في جيبي ستة دنانير أردنية فقط لا غير لكن الله كان قد يسّر لي صديقاً لي كان يبحث مثلي عن قبول في إحدى الجامعات السورية ساعدني مادياً وسجلت في الجامعة وعندما دخلت الجامعة فوجئت بأن معظم الطلبة العرب هم طلاب منح ويتقاضون رواتباً شهرية من الحكومة السورية فحاولت الحصول على منحة مثلهم فوجدت أن الأمر أصعب من ما كنت أتصور بكثير فكان عليك للحصول على المنحة أن تكون بعثياً أو أن يرشحك بعثي مهم في بلدك.

أما أنا عن نفسي فلم أسمع بحزب البعث العربي الإشتراكي إلا منذ أيام فقط وليس لي منه معارف أو أصدقاء ولهذا فقد فشلت كل محاولاتي للحصول على منحة جامعية من الحكومة السورية كغيري من الطلاب والعجيب في الأمر أن معظم هؤلاء الطلاب الذين كانوا يتقاضون هذه المنح الدراسية ليسوا ببعثيين ولا حتى يحبون حزب البعث لكن الواسطة مهمة حتى في التعليم والسياسة.
