أخي والعقرب وحرب حزيران


20130816_190251
وأنا أتفقد الموقع بعد نصف قرن تقريباً

كان يوم 5 حزيران 1967 يوم طويل ثقيل مليء بالأحداث الكبيرة والمثيرة خاصة لأمثالي من الأطفال الصغار الذين لم يكونوا يعلموا ما يدور حولهم من أحداث سياسية عجزوا عن استيعابها ومن أهم هذه الأحداث التي كانت قد حدثت في ذلك اليوم ولم أستطع أن أنساها حتى الآن فبينما كانت الشمس تودع سماءنا وبدأ الظلام يسدل أستاره على المكان لم تجرأ والدتي على إضاءة البيت ليلا خوفاً من أن تضربه طائرات العدو الصهيوني ولم نتناول طعام العشاء في تلك الليلة كعادتنا بل أكل كل منا ما تيسر له وبينما نحن كذلك وإذا بأمي تقول لنا: ليأخذ كل منكم فراشه معه ويتبعني إلى (الحبلة) لأننا سننام هذه الليلة في العراء فاليهود قد يضربون بيتنا بالطائرات كما فعلوا بالأمس في بلدة سلفيت.

image%20(14).jpg
مثل هذا العقرب الذي هاجم أخي ليلاً

وغلى الفور أخذت والدتي معها (الحصيرة) وذهبت بنا إلى منطقة مستوية تخلو من الحجارة والحشائش وفرشت حصيرتها أما نحن فقد اختار كل واحد منا موقعه من هذه الحصيرة ونمنا جميعاً بعمق لأن الكل منهك وعند منتصف الليل تقريباً صحوت من نومي بعد أن داستني قدم أمي وهي تتقدم وتبحث عن أخي الأصغر في هذا الظلام الدامس الذي كان يصيح من ألم شديد في يده وهي في طريقها إليه وهي تقول له: بسيطة إنها لدغة عقرب يا ولدي فلا تخف وبعد أن عثرت عليه سألته عن موضع الألم فقال: في أسفل ذراعي وخلعت منديلها ولفته على ذراعه لتمنع سم العقرب من الانتشار في جسمه وطيبت خاطره وقالت له: عليك أن تتحمل الألم لدقائق فقط وبعدها سيزول.

imagesCAPEV7WA
عاد أخي يصرخ ثانية من الألم

وعدنا الى النوم ثانية وبعد خمسة دقائق عاد أخي يصرخ ثانية من الألم فاعتبرت أمي صراخه من باب الدلع وهددته باليهود وقالت له: إذا لم تصمت فسيسمعك اليهود في هذا الليل الساكن وسيحضرون لقتلنا فخاف أخي وسكت وبعد خمسة دقائق أخرى بدأ يصرخ ويتألم أكثر من المرة الأولى فهددته أمي بالضرب هذه المرة إذا لم يسكت وسكت لدقائق معدودة لكنه عاود الصراخ والتألم مرة أخرى وبقي على هذا الحال إلى أن تعب من البكاء ونام.

m10
وما أن فكت منديلها عن ذراعه وإذا بالعقرب يسقط ميتاً

لم تنم أمي في تلك الليلة حتى بعد أن نام أخي وهي تفكر فيما حصل لأخي بعد أن شخصت ما به بأنه لدغة عقرب لكنه بكى بحرقة وصاح مرات من شدة الألم لا بل تألم أكثر من مرة في تلك الليلة المشؤومة فلو كانت لدغة عقرب لبكى مرة واحدة وسكت بعدها ولكنه بكى مرات عديدة إذن لا بد أن يكون في الأمر شئ لم تفهمه وما أن طلع الفجر وأصبحت قادرة على الرؤيا حتى اقتربت منه وهو نائم وفكت منديلها عن ذراعه وإذا بها كانت قد ربطت المنديل على ذراعه وبداخله العقرب وكان كلما لدغته العقرب يصيح  من الألم وبقي كذلك إلى أن مات العقرب ونام أخي وما أن فكت منديلها عن ذراعه وإذا بالعقرب يسقط منه ميتاً.

 مشاهد من ذاكرة الرحيل

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s