
كان يوم 5 حزيران 1967 يوم طويل ثقيل مليء بالأحداث الكبيرة والمثيرة خاصة لأمثالي من الأطفال الصغار الذين لم يكونوا يعلموا ما يدور حولهم من أحداث سياسية عجزوا عن استيعابها ومن أهم هذه الأحداث التي كانت قد حدثت في ذلك اليوم ولم أستطع أن أنساها حتى الآن فبينما كانت الشمس تودع سماءنا وبدأ الظلام يسدل أستاره على المكان لم تجرأ والدتي على إضاءة البيت ليلا خوفاً من أن تضربه طائرات العدو الصهيوني ولم نتناول طعام العشاء في تلك الليلة كعادتنا بل أكل كل منا ما تيسر له وبينما نحن كذلك وإذا بأمي تقول لنا: ليأخذ كل منكم فراشه معه ويتبعني إلى (الحبلة) لأننا سننام هذه الليلة في العراء فاليهود قد يضربون بيتنا بالطائرات كما فعلوا بالأمس في بلدة سلفيت.

وغلى الفور أخذت والدتي معها (الحصيرة) وذهبت بنا إلى منطقة مستوية تخلو من الحجارة والحشائش وفرشت حصيرتها أما نحن فقد اختار كل واحد منا موقعه من هذه الحصيرة ونمنا جميعاً بعمق لأن الكل منهك وعند منتصف الليل تقريباً صحوت من نومي بعد أن داستني قدم أمي وهي تتقدم وتبحث عن أخي الأصغر في هذا الظلام الدامس الذي كان يصيح من ألم شديد في يده وهي في طريقها إليه وهي تقول له: بسيطة إنها لدغة عقرب يا ولدي فلا تخف وبعد أن عثرت عليه سألته عن موضع الألم فقال: في أسفل ذراعي وخلعت منديلها ولفته على ذراعه لتمنع سم العقرب من الانتشار في جسمه وطيبت خاطره وقالت له: عليك أن تتحمل الألم لدقائق فقط وبعدها سيزول.

وعدنا الى النوم ثانية وبعد خمسة دقائق عاد أخي يصرخ ثانية من الألم فاعتبرت أمي صراخه من باب الدلع وهددته باليهود وقالت له: إذا لم تصمت فسيسمعك اليهود في هذا الليل الساكن وسيحضرون لقتلنا فخاف أخي وسكت وبعد خمسة دقائق أخرى بدأ يصرخ ويتألم أكثر من المرة الأولى فهددته أمي بالضرب هذه المرة إذا لم يسكت وسكت لدقائق معدودة لكنه عاود الصراخ والتألم مرة أخرى وبقي على هذا الحال إلى أن تعب من البكاء ونام.
