وضاقت عمان بسكانها


المكان: عمان ـ الزرقاء
الزمان: 1991 ـ 1996
ksa-local1_727171
موسم الحج 

بعد حرب الخليج مباشرة تدفق الآلاف من الفلسطينيين والأردنيين الذين كانوا يعملون ويقيمون في الكويت فضاقت عليهم عمّان بشوارعها وبيوتها ومدارسها  وبسكانها ولم تعد  شبكة المواصلات التي كان يستخدمها الناس في ذلك الوقت قادرة على استيعاب هذا العدد الهائل من السكان بعد هذه الزيادة السكانية الطارئة ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل جاء موسم الحج في تلك السنة وأخذ من باصاتها وسياراتها الشئ الكثير مما جعل الأمر يزداد صعوبة في التنقل.

images_123
المواصلات العامة 

أما أنا فكان باستطاعتي في ذلك الوقت شراء سيارة خاصّة كي أريح نفسي وأهلي من هذا العناء. لكنني آثرتُ التريّث قليلا كي تجرّب زوجتي وأولادي الحياة الجديدة ويتأقلمون معها فحياتنا اليوم في عمان ستكون غيرها في الكويت والتي كانت حياة سهلة لا معاناة فيها، فلم أذكر يوماً أننا استخدمنا أنا أو زوجتي أو أولادي المواصلات العامة فيها حتى أن أولادي لم يتعرفوا على الباص إلا في عمان فقد اندهشوا عندما ركبوا فيه لأول مرة بعد أن كانوا في الكويت يرونه ولا يستخدموه. 

1640_406711
حي معصوم في مدينة الزرقاء 

وفور عودتي من الكويت إلى الأردن بعد حرب الخليج كان قد استقبلني ابن عمي (أبو العبد) في منزله الواقع في حيّ معصوم بمدينة الزرقاء مشكوراً ولم يكتف بذلك بل أخذ يبحث معي عن سكن لكن هيهات أن تجد سكناً (أي سكن في مدينة الزرقاء في ذلك الوقت) في أي مكان في المدن الكبيرة ولكي تجعل مني زوجتي ضيفاً خفيف الظل على من استضافوني غادرت في الحال هي وأولادها إلى مدينة سلفيت في فلسطين حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

image20102
الشارع الرئيس في حي معصوم

وبعد أن وجدت عملاً في مدارس البتراء النموذجية في خلدا بمدينة عمان أصبح عليّ أن أذهب يومياً من حي معصوم بالزرقاء إلى منطقة خلدا في عمان مروراً بالساحة الهاشمية وبالعكس فكان لا بد لي من التواجد والانتظار على الشارع الرئيس في حيّ مـعـصـوم قبل الساعـة السادسة صـبـاحـاً كـي أسـتـطـيـع الـعـثـور على سـيـارة سرفـيـس تـنـقـلـنـي إلى مـجـمـع الـسـيـارات في مدينة الـزرقـاء.

untitled123
مجمع السيارات في مدينة الزرقاء

وكان علي أن أتواجد في مجمع السيارات في مدينة الزرقاء قبل الساعة السادسة والنصف صباحاً كي أنضمّ إلى طابور من الناس طويل يقف أمام لافتة مكتوب عليها (الزرقاء ـ عمان) طريق الأتوستراد وعلى الرّغم من طول هذا الطابور إلا أنه كان سريع الحركة في الغالب لكثرة السيارات العاملة على هذا الخط لكن هذا لا يمنع من التأخير في بعض الأيام. 

مجمع رغدان في مدينة عمان

وعندما أن كنت أصل إلى مُجمّع رغدان في الساحة الهاشمية في العاصمة الأردنية عمان كان عليّ أن أذهب إلى موقف حافلات (خلدا) كي أنضمّ إلى طابور من الناس أطول وأصعب من الطابور الأول في مدينة الزرقاء لأن رحلة الحافلة من هذا المجمع إلى خلدا وبالعكس تستغرق ساعتين من الزمن فلا يمكن الاعتماد على هذه الحافلات العاملة على هذا الخط للوصول إلى عملي في الموعد المحدد فكان لا بد من ايجاد حل. 

S_thumb_3659598_adaptiveResize_700_1000
سرفيس جبل الحسين

عرضت مشكلتي على زملائي المدرسين في المدرسة فتبرع أحدهم أن يوصلني إلى دوار الشرق الأوسط ومن هناك أذهب إلى رغدان ثم إلى الزرقاء ثم إلى حي معصوم!وتبرع آخر أن يحضرني معه إلى المدرسة إذا وجدني واقفاً بالقرب من سكنه في جبل الحسين حوالي الساعة السابعة صباحاً!فكنت أترك حافلات خلدا واتجه إلى سرفيس جبل الحسين!هذا لا يعني أن مواصلات جبل الحسين أسهل لكن كثرة السيارات على هذا الخط تجعله أفضل.

jabal-alhussein-tower
جبل الحسين

فكان لزاماً عليّ أن أكون في جبل الحسين قبل الساعة السابعة وهناك كان عليّ إنتظار زميلي (أبو إيهاب) كي أذهب معه في سيارته إلى المدرسة في خلدا ولك أن تتخيّل الوقفة الطويلة على الدور ودقائق الانتظار التي تصبح ساعات عند كل مرحلة من مراحل هذه الطريق وفوق هذا وذاك كان يجب عليّ حضور طابور الصباح في المدرسة قبل الساعة السابعة والنصف صباحاً.

IMG-20120817-WA0000
السكن الذي وجدته في عوجان بمدينة الزرقاء

استمر هذا الحال على ما هو عليه مدة لم تزد عن أسبوعين تقريباً كنت خلال هذه الفترة أبحث فيها عن سكن بعد رحلة الذهاب والإياب للمدرسة إلى أن منّ الله عليّ أخيراً بأن وجدتُ سكناً في عوجان بمدينة الزرقاء أما كيف وجدته؟وكم هو المبلغ الذي دفعته من أجل ذلك فهذا موضوع آخر يطول شرحه؟المهم أنني أعفيتُ نفسي من خط حيّ (حي معصوم ــ المجمع) واستمرّ هذا الوضع الجديد لمدة قاربت الستة أشهر تقريباً.

Untitledبعد ذلك اشتريتُ سيّارة خاصّة وارتحتُ وأرحت لكنني لم ولن أنس تلك الأيام وما احتوته من معاناة وأصبحتُ أشعرُ وأتعاطفُ مع كل من أجده واقفاً ينتظر المواصلات على أيّ شارع أمرّ منه خاصة الشوارع التي كنت قد وقفتُ عليها طويلاً وأصبحتُ أستجيب لكل من يطلب مني المساعدة لا بل كنت أعرض نفسي على الشخص الواقف إذا لم يطلب هو مني ذلك صراحة في كثير من الأحيان لأنه كان هناك أناس صنعوا معي ما أصنعه اليوم مع غيرهم.

مشاهد فلسطينية بعيون من عاشوا حرب الخليج

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s