المكان: عمان ـ الزرقاء
الزمان: 1991 ـ 1996

بعد حرب الخليج مباشرة تدفق الآلاف من الفلسطينيين والأردنيين الذين كانوا يعملون ويقيمون في الكويت فضاقت عليهم عمّان بشوارعها وبيوتها ومدارسها وبسكانها ولم تعد شبكة المواصلات التي كان يستخدمها الناس في ذلك الوقت قادرة على استيعاب هذا العدد الهائل من السكان بعد هذه الزيادة السكانية الطارئة ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل جاء موسم الحج في تلك السنة وأخذ من باصاتها وسياراتها الشئ الكثير مما جعل الأمر يزداد صعوبة في التنقل.

أما أنا فكان باستطاعتي في ذلك الوقت شراء سيارة خاصّة كي أريح نفسي وأهلي من هذا العناء. لكنني آثرتُ التريّث قليلا كي تجرّب زوجتي وأولادي الحياة الجديدة ويتأقلمون معها فحياتنا اليوم في عمان ستكون غيرها في الكويت والتي كانت حياة سهلة لا معاناة فيها، فلم أذكر يوماً أننا استخدمنا أنا أو زوجتي أو أولادي المواصلات العامة فيها حتى أن أولادي لم يتعرفوا على الباص إلا في عمان فقد اندهشوا عندما ركبوا فيه لأول مرة بعد أن كانوا في الكويت يرونه ولا يستخدموه.

وفور عودتي من الكويت إلى الأردن بعد حرب الخليج كان قد استقبلني ابن عمي (أبو العبد) في منزله الواقع في حيّ معصوم بمدينة الزرقاء مشكوراً ولم يكتف بذلك بل أخذ يبحث معي عن سكن لكن هيهات أن تجد سكناً (أي سكن في مدينة الزرقاء في ذلك الوقت) في أي مكان في المدن الكبيرة ولكي تجعل مني زوجتي ضيفاً خفيف الظل على من استضافوني غادرت في الحال هي وأولادها إلى مدينة سلفيت في فلسطين حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

وبعد أن وجدت عملاً في مدارس البتراء النموذجية في خلدا بمدينة عمان أصبح عليّ أن أذهب يومياً من حي معصوم بالزرقاء إلى منطقة خلدا في عمان مروراً بالساحة الهاشمية وبالعكس فكان لا بد لي من التواجد والانتظار على الشارع الرئيس في حيّ مـعـصـوم قبل الساعـة السادسة صـبـاحـاً كـي أسـتـطـيـع الـعـثـور على سـيـارة سرفـيـس تـنـقـلـنـي إلى مـجـمـع الـسـيـارات في مدينة الـزرقـاء.

وكان علي أن أتواجد في مجمع السيارات في مدينة الزرقاء قبل الساعة السادسة والنصف صباحاً كي أنضمّ إلى طابور من الناس طويل يقف أمام لافتة مكتوب عليها (الزرقاء ـ عمان) طريق الأتوستراد وعلى الرّغم من طول هذا الطابور إلا أنه كان سريع الحركة في الغالب لكثرة السيارات العاملة على هذا الخط لكن هذا لا يمنع من التأخير في بعض الأيام.

وعندما أن كنت أصل إلى مُجمّع رغدان في الساحة الهاشمية في العاصمة الأردنية عمان كان عليّ أن أذهب إلى موقف حافلات (خلدا) كي أنضمّ إلى طابور من الناس أطول وأصعب من الطابور الأول في مدينة الزرقاء لأن رحلة الحافلة من هذا المجمع إلى خلدا وبالعكس تستغرق ساعتين من الزمن فلا يمكن الاعتماد على هذه الحافلات العاملة على هذا الخط للوصول إلى عملي في الموعد المحدد فكان لا بد من ايجاد حل.

عرضت مشكلتي على زملائي المدرسين في المدرسة فتبرع أحدهم أن يوصلني إلى دوار الشرق الأوسط ومن هناك أذهب إلى رغدان ثم إلى الزرقاء ثم إلى حي معصوم!وتبرع آخر أن يحضرني معه إلى المدرسة إذا وجدني واقفاً بالقرب من سكنه في جبل الحسين حوالي الساعة السابعة صباحاً!فكنت أترك حافلات خلدا واتجه إلى سرفيس جبل الحسين!هذا لا يعني أن مواصلات جبل الحسين أسهل لكن كثرة السيارات على هذا الخط تجعله أفضل.

فكان لزاماً عليّ أن أكون في جبل الحسين قبل الساعة السابعة وهناك كان عليّ إنتظار زميلي (أبو إيهاب) كي أذهب معه في سيارته إلى المدرسة في خلدا ولك أن تتخيّل الوقفة الطويلة على الدور ودقائق الانتظار التي تصبح ساعات عند كل مرحلة من مراحل هذه الطريق وفوق هذا وذاك كان يجب عليّ حضور طابور الصباح في المدرسة قبل الساعة السابعة والنصف صباحاً.
