في منتصف القرن الماضي بعد أن احتل الغزاة الصهاينة فلسطين، وقاموا بتشتيت أهلها في سائر بلدان العالم، أخذ كل واحد من هذا الشعب يبحث عن بلد كي يستقر فيه ليشعر بالأمن والأمان، بعد أن افتقدهما في أرضه وفي وطنه، فكان منهم من ابتعد كثيراً عن الوطن العربي واختار دول أمريكا الجنوبية للعيش فيها. لهذا لم يحدث تواصل واحتكاك بينهم وبين العروبة بالقدر الكافي، فبقيت ثقافتهم الفلسطينية المحلية كما هي لم تتغير كما ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وورّثوها لأولادهم كما هي دون أي تعديل، والكثير منهم بعد أن حقق الأمن والأمان عاد إلى أرض الوطن ثانية ليستقر بين بني وطنه.

كان من بين هؤلاء الناس الذين اغتربوا عن ديارهم رجلٌ من إحدى القرى المحيطة بمدينة القدس، سافر إلى تشيلي وعاش فيها وتزوج منها ورُزق بالأولاد والبنات، ولما كبر الأولاد لم يعجبه أن يعيشوا هناك بثقافة غير ثقافتهم العربية، فصفّى أعماله وجاء واستقر في عمان، وأحضر أحد أولاده إلى المدرسة التي كنت معلماً للرياضيات فيها. أما ابنه هذا فهو طالب مؤدب لغته العربية بسيطة، لكنه كان يحب العلم والتعلم، ويستمع جيداً لما يشرحه له المدرسون وأنا منهم.

وفي إحدى حصص الهندسة المستوية، وبعد أن قمت برسم الشكل على اللوح، وبعد أن فهم الطلاب السؤال قال أحدهم: إن المعطيات لا تكفي لحل هذا السؤال، قلت: إذن علينا القيام بعمل مناسب يزيد المعطيات ليجعلنا قادرين على حله، وقمت بتوصيل النقطتين أ ، جـ مما سهّل على الكثير منهم حله. ولتعليم الطلبة طريقة الكتابة في الهندسة قمت بكتابة الحل على يمين اللوح، وقبل أن أنتقل إلى السؤال الذي يليه سألت هذا الطالب عن شيءٍ لا يفهمه، لأنني رأيته شارد الذهن يفكر فقال: نعم، فقلت له:اسأل، فقال: أستاذ كل ما قاله الطلاب وما كتبته أنت فهمته لكن ما حيّرني هو ذلك “الحز” الذي قمت برسمه ليصل بين النقطتين أ و جـ .
