
بعد أن احتل الرئيس الراحل (صدام حسين) الكويت وألحقها بالعراق وسماها (المحافظة التاسعة عشر) قام بتعيين (أبو رحاب) مسؤولاً عن التربية والتعليم في الكويت وأبو رحاب هذا هو ضابط كبير في الجيش العراقي (نسيت رتبته الآن) كان عليه أن يُدير وزارة التربية في الكويت وعلى الصعيد الشخصي قام أبو رحاب هذا بتغيير إسم المدرسة التي كنت أعمل بها من (ثانوية عبدالله السالم) إلى (ثانوية صدام حسين) ولم يعجبه مكاني فنقلني إلى (ثانوية الجابرية) بدلاً من ثانوية عبدالله السالم.

وقام أبو رحاب هذا بفرض نظام بغداد التعليمي على المدرسة التي كنت أعمل فيها ففي يوم 23 تشرين الثاني من كل عام يتم إختيار (الطالب القدوة) من كل فصل دراسي على أرض العراق على أن يكون هذا الطالب مُهذباً ومُتفوقاً في دراسته ومُتعاوناً مع زملائه كي يكون جديراً بالثقة التي ستمنح له من قبل زملائه الطلاب حيث ينتخبه طلاب صفه تحت إشراف مدير المدرسة ومعه معلمون آخرون ويُنظّمون محضراً رسمياً بذلك.

وفي الصف الذي كنت أدرّسه في ثانوية الجابرية للبنين كان هناك طالب مُسجّل عندي في الكشف لكنه لا يداوم أبداً حتى أنني لم أتعرف على شكله مطلقاً وبقيت على هذا الحال إلى أن جاء يوم إنتخاب الطالب القدوة في صفه الذي تصادف مع غيابي عن المدرسة في ذلك اليوم لأمر هام وفي غيابي تم إنتخاب الطالب القدوة وفي اليوم التالي سألت عن الفائز بلقب بهذا اللقب فقالوا لي: إنه فلان أي الطالب الذي لم يُداوم أبداً والأدهى من ذلك أنه فاز بالتزكية وبدون أي مُنازع.

حيّرني هذا الأمر واختليت بطالب مُجتهد خلوق أرشحه ليكون الطالب القدوة وسألته عن الذي حصل؟ وكيف فاز فلان هذا بالتزكية؟ فقال لي هذا الطالب: عندما سمع فلان هذا عن الطالب القدوة وامتيازاته حضر في يوم الإنتخابات فقط وأغلق علينا الباب وقال لنا: إسمعوا وعووا أيها الزملاء أنا لست قدوتكم ولن أكون كذلك في يوم من الأيام ولكنني أعدكم إذا إنتخبتموني أن أقف في وجه المدير والمدرسين وأحصّل لكم حقوقكم منهم أما إذا إنتخبتم القدوة الحقيقي فسيكون مؤدباً معهم ولن يستطيع مُجابهة الإدارة والمدرسين وبالتالي ستضيع حقوقكم وأنتم أحرار فيما تختارون بعدها جاء المدير ومعه طاقم الانتخابات وانتخب جميع طلاب الصف فلان هذا وسجل المدير وطاقمه في المحضر بأن فلاناً فاز بالتزكية.

هذا ما حصل في صفّ دراسيّ من طلاب صغار لا يعرفون اللفّ ولا الدوران بعد لكن وُجد من يربط مصالحهم الوهمية بنفسه ويفوز بالقدوة والسؤال الآن: هل يختلف هذا المشهد كثيراً عن ما يحدث في إنتخاباتنا العربية؟ فهناك في كل إنتخابات أناس يخلقون لكم أهدافاً وهمية ويربطون تحقيقها بأنفسهم وعندما ينتخبهم الناس تطير الأهداف ويبقون هم في السلطة وبعد أن يتمكنوا منها يُورّثونها لأولادهم من بعدهم ويهدون ما تبقى منها لأصدقائهم وأقاربهم ومعارفهم.
