
في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي كانت (ثانوية عبدالله السالم) لمن لا يعرفها من أشهر المدارس الثانوية في دولة الكويت على الإطلاق، وكان مديرها الأستاذ (جمعة ياسين) في ذلك الوقت يختار لها النخبة من المدرسين في كافة التخصصات، ومن منهم لم يُثبِت جدارته في التدريس كان يستغني عنه في الحال دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى. وكان طلبتها من كافة الدول العربية متعطشين إلى العلم وفي مسرحها كان يلتقي قادة المقاومة الفلسطينية بالجماهير العربية المتواجدة على أرض الكويت مثل أبو عمار وأبو إياد وأبو اللطف وغيرهم الكثير الكثير.

وفي سنة 1976 شاءت الأقدار وانتقلت إلى هذه المدرسة العريقة، وما أن دخلتها لأول مرة حتى لفت انتباهي مدرس أول الرياضيات الذي كان قد استقبلني بحكم المهنة، وبعد هذه المقابلة احترت في ما رأيت وفيما سمعت، وتساءلت بيني وبين نفسي: كيف تنجح مدرسة بهذا الشكل وفيها مثل هذا المدرس الأول الذي يشبه الممثل (يونس شلبي) في مسرحية مدرسة المشاغبين؟ فكان يشبهه في طريقة كلامه وفي تصرفاته. وبعد أن انتهى اجتماعه معي اخترت مكاناً في غرفة المدرسين وجلست فيه وفي الحال سألت من كان يجلس بجانبي من المعلمين دون أن أعرفه نفس السؤال الذي كنت قد سألته لنفسي فأجابني هذا المدرس وقال:

بعد أن عُين الأستاذ جمعة ياسين مديراً للتعليم الخاص جاء بعده مدير آخر، فأصبحت المدرسة مطمعاً لمن يمتلك الواسطة من المدرسين، وكان هذا المدرس شكلاً وموضوعاً مدعوماً وتم نقله إلى هذه المدرسة بالواسطة، لكنه لم يفلح في التدريس فكان عليه أن يغادر المدرسة كما هي العادة. لكنه كان (مدعوماً) فما هو الحل إذن؟ فجأة رُفّع مدرس أول الرياضيات إلى مُوجّه وأصبحت المدرسة بحاجة إلى مدرس أول بدلاً منه ليكون مسؤولاً عن سبعة عشر مدرساً للرياضيات فيها وأنت منهم. وانشغل هؤلاء القوم، وأشار بيده إلى زملائه من المدرسين، في تسمية مدرس أول بديل من بينهم، وإذا بصاحبنا قادم من عند المدير وما أن سمع الحوار الدائر بين هؤلاء المدرسين حتى قال لهم: اسمع يا واد إنت وهو، أنا من سيكون المدرس الأول عليكم.

ضحك القوم وانفعل أحدهم وقال: إذا أصبحت يا فلان مدرساً أول سأرفع الأذان من فوق هذه الطاولة التي أمامي، وضحك الجميع على ما سمعوا فأجابه صاحبنا بكل ثقة: إذن غداً تعال للمدرسة حافظاً للأذان جيداً لأنك سترفعه من هذا المكان ومن فوق هذه الطاولة. جاء الغد، وإذا بنشرة داخلية صادرة عن مدير المدرسة تمرر على المدرسين للتوقيع عليها تُسمي صاحبنا مدرساً أولاً لقسم الرياضيات فيها، وعلى الفور طلب صاحبنا من زميله أن يرفع الأذان كما وعد فما كان من هذا المدرس إلا أن صعد فوق طاولته ونفّذ وعده.
