
في الماضي الذي هو ليس بالبعيد كان إذا دقّ جرس الهاتف الثابت في بيتي يبقى في انتظاري حتى أردّ عليه أنا أما في هذه الأيام بعد أن كبر الأولاد وتزوجوا وتضاعف عدد سكان البيت دائماً ما أجد من هو الأسرع مني في الرّد عليه لكنني في هذه المرة كنت أنا الأسرع فما إن دق جرس الهاتف حتى وجدتني أذهب إليه مُسرعاً مُتحمساً لا أعرف لماذا هذه المرة؟ وعلى الفور رفعتُ السّماعة وإذا به صديق قديم عزيز على قلبي كنت قد عشت معه في غرفة واحدة بعد أن تعرّفتُ عليه أثناء دراستي الجامعية في بداية سبعينات القرن الماضي.

والصداقة في تلك الأيام كان لها معنى أكبر بكثير مما هو عليه الآن والسبب في ذلك أنها كانت صداقة بريئة تخلو من المصالح الشخصية وهي ليست كالصداقات اللاحقة التي كانت في الغالب صداقات مراكبية بمعنى ما أن يرسو المركب الذي أكون به حتى يطير كل من كنت أعتبرهم من الأصدقاء لكنني لم أر هذا الصديق الوفي ولم أسمع صوته منذ أن تخرجنا من الجامعة فبادرني بعد التحية والسلام حيث:

قال: أنا إسمي فلان الفلاني كنا قد عشنا سوياً فترة من الزمن لا بأس بها فهل عرفتني من إسمي أم أزيدك تعريفاً بشخصي؟وهل لا زلت تذكرني أم نسيتني مع الأيام والسنين؟.
قلت: نعم أذكرك جيداَ ولم أنساك لحظة واحدة طيلة هذه السنين.
قال: لماذا؟.
قلت: لأننا كنا قد عشنا معاً حياة كانت بسيطة في فترة زمنية ليست قصيرة أثناء دراستنا الجامعية في مدينة حلب وقد عشناها سوياً بأمنيات شخصية مشتركة كانت أبسط كثيراً من أمنياتنا في هذه الأيام.
