قرأنا كتباً كثيرة عن النكبة وشاهدنا أعمالا تلفزيونية أكثر تصف معاناة الشعب الفلسطيني بعد تهجيره من وطنه وسمعنا كثيراً من القصص والحكايات من أجدادنا وآبائنا عن الصور المؤلمة المخزّنة في ذاكرتهم بعد كارثة عام 1948 وما رافقها من أحزان وآلام كانت قد ألمّت بالشعب الفلسطيني بكامله ولكن كل ذلك لم يضعنا في صورة الأحداث التي كانت قد حدثت مُجتمعة ولم يُشعرنا بعمق المأساة الفلسطينية كما أشعرنا بها وصوّرها لنا مسلسل التغريبة الفلسطينية الذي عرضته بعض القنوات التلفزيونية العربية وليس كلها كما يجب أن يكون.

لقد كان كل ممثل في هذا المسلسل بطلاً بحد ذاته لكن ما لفت نظري ونظر كل المشاهدين السيدة جولييت عواد، هذه الفنانة المُلتزمة التي خرجت من شرنقة الأقلية الأرمنية أصبحت اليوم رمزاً من رموز الابداع الملتزم بقضايا الأمة العربية، لا بل وضعت القيم الإنسانية الكبيرة في سلم أولوياتها وأخذت تناضل من أجل تكريس قيم الحق والعدل للإنسانية جمعاء وهي بالتالي ليست كغيرها من الممثلات اللاهثات وراء الشهرة والمال والنجومية إذ لم تتوقف عن السباحة ضد تيار هذا الزمن الصّعب.

كان بإمكان هذه الممثلة القديرة أن تصمت مثل غيرها من الصامتين لكنها أبت إلا أن تدخل في صلب القضية الفلسطينية وأبت كذلك إلا أن تدخل ذاكرة الشعب الفلسطيني بأكمله ومعه الشعب العربي طبعاً وأبت إلا أن تنكأ جرح النكبة المُؤلم لتذكر الجيل الذي عاشها بمعاناة أمهاتهم بعد أن بدأت هذه المشاهد تختفي أو تتآكل وتُذكّر الجيل الذي لم يعايش النكبة لكنه قرأ عنها فلم يستطع أن يفهم الصورة كاملة فالكثير من شباب هذا الأيام لا يعلمون عن حياة أجدادهم إلا القليل بعد أن أصبحوا في نظرهم دمى آدمية تكاد تتحرك وأبت هذه الممثلة العظيمة إلا أن تعيد اللُحمة بين الأجيال الفلسطينية وتعيد الهيبة للأجيال السابقة عندما قامت بتمثيل دور أم أحمد في المسلسل.

ما أعظمك يا ست جولييت عواد أنت وطاقم التمثيل الذي كان معك في هذا المسلسل العظيم عندما استطعت ان تجسدي دور الأم الفلسطينية بقوتها وصبرها وحنانها وأمومتها ونضالها وقهرها وضعفها في شخصية واحدة وأنت لم تسكني في مخيم لاجئين ولم تجربي معاناتهم على الرغم أنك لم تزوري فلسطين في حياتك بل اعتمدتِ على ما كنت تلتقطينه بذاكرتك الحادة من صور تلفزيونية عن الأم القلسطينية وهي تودع الشهداء وتدفع بأبنائها للمقاومة وتصنع من البعض قادة ومن البعض الآخر جنوداً مخلصين لأمتهم وقضيتهم. من منّا لم يتذكر أمه أو جدته من خلال هذه الفنانة القديرة؟ ومن منّا لم تبكه جوليت عواد في مسلسل التغريبة الفلسطينية؟

أعشق الست جولييت واحترمها جدا لأنها جسدت في ادوارها مختلف القضايا والهموم التي نعاني منها كشعوب عربية من استبداد وظلم واستعمار واحتلال وهيمنة واطماع من قبل الاغراب..اعشق تجسيدها للشخصية ايا كانت تلتصق بها وتنصهر في قالبها لتوقن أنها هي..شكرا للكاتب الاستاذ جميل وشكرا للست جولييت التي دافعت ولا زالت عن انسانيتها وانسانيتنا كبشر ..احبها كثيرا واتمنى ان التقيها يوماً لاقبل جبينها تلك السيدة الفاضلة الانسانة …سلامي لها اينما تكون وأسأل الله أن تتمتع بالصحة والعافية الى اخر لحظات عمرها..وسلامي للكاتب الاستاذ جميل عبود ♥
إعجابLiked by 1 person