الموت قبل الموت أحياناً


Untitled2
في الصحة يكون الإنسان مُتسخاً يريد كل شيء

خلق الله الناس جميعاً من ذكر وأنثى، بعقول مُختلفة، وبأرزاق مُتفاوتة، لا بل رفع بعضهم على بعض درجات، فكان منهم الغني والفقير، وكان منهم القوي والضعيف، وكان منهم الحاكم والمحكوم ، والظالم والمظلوم، والعالم والجاهل، لكنهم جميعاً يتساوون عند المرض، ويختلفون في ردّة الفعل تجاهه، لأن المرض، يجعل الإنسان أكثر طهراً مما كان عليه، في حياته العادية، ففي الصحة يكون الإنسان مُتّسخاً، يطلب ويريد كل شيء لنفسه، ويبقى كذلك، إلى أن يأتي المرض، ويأخذ منه كل ما إكتسبه مرة واحدة. 

??????????????????????????????????????????????
إذا عطس يجد الجميع حوله والكل يريد خدمته

وستكون أول ردة فعل، يقوم بها هذا المريض، تجاه مرضه، هي تذكر كل صغيرة وكبيرة في ماضيه، كي يقارن ماضيه بحاضره، وهو يرقد على فراش المرض، فأول ما يخطر في باله، أنه قبل أن يقعده المرض، كان إذا عطس من نزلة برد مثلاً، يجد الجميع حوله والكل يريد خدمته ورضاه، لهذا فأول شئ يقوم به المريض، هو تفقد كل هؤلاء الناس، الذين مروا في حياته، واحداً تلو الآخر، ويتذكر كل الأسماء التي كانت تحيط به قبل مرضه، ويسأل نفسه عن هؤلاء الناس بالإسم.

imagesCAN2O2R7
يستعين المريض بعينيه لتنوب عن شفتيه في الحوار 

بعدها تنشأ عند المريض، أزمة نفسية داخلية حادة، تولد عنده كثير من الأسئلة الفلسفية التي هي في غاية الأهمية، بعضها يعرف إجابته، والبعض الآخر لا يعرف له إجابة، فيصبح هذا المريض، بحاجة ماسّة إلى من يُجيبه على أسئلته تلك، دون أن يسألها، لأن مرضه قد يفقده القدرة على الكلام، فيخونه لسانه، عن التعبير عما يريد قوله، عند ذلك يستعين بعينيه لتنوب عن شفتيه في الحوار، مع من يريد، ممن هم حوله، ويصبح مُستقبِلا فقط، ولا يستطيع أن يرسل ما يجول بخاطره، أو بما يفكر به، فيبدأ بسؤال نفسه، بعض الأسئلة الصعبة، التي لم يعتد ان يسألها، لا لنفسه، ولا لغيره،  قبل مرضه.

untitled258وسيكون أول هذه الأسئلة: لماذا أمرض أنا من دون خلق الله؟ ولماذا أمرض اليوم، وليس غداً، أو بعد غد؟ وهل أنا أعاقب على فعل كنت قد فعلته في الماضي، أم هي لعبة طاق طاق طاقية، أم هي خبط عشواء من تصب؟ ومنهم من يقتنع بمرضه، ويستسلم له، ويعتبره شهادة تفوّق على غيره من الناس، فهو ــ برأيه ــ الأكثر إيماناً بين الناس، لهذا سيكون الأشد بلاءً.

untitled
إذا كان وجود هذا المريض ايجابياً فلماذا يموت إذن؟

ثم تبدأ عند هذا المريض مشكلة فلسفية أعمق من الأولى، عندما يرجع إلى أعماق نفسه أكثر، ويطرح عليها أسئلة أخرى عن معنى الحياة والوجود ليبدأ بعدها بمراجعة الجدوى من وجوده في هذه الدنيا، وذلك بالإجابة على السؤال الكبير المهم وهو: لماذا وُجد في هذا العالم؟ وهل هذا العالم سيتغير عندما يفتقده؟ وهل هذا التغيير سيكون سلبياً أم ايجابياً؟ وفي كلا الحالتين سيعود من حيث بدأ فإذا كان وجوده إيجابياً فلماذا يموت إذن؟ وإذا كان وجوده سلبياً، فلماذا وُجد أصلاً؟ثم يأتي السؤال الآخر الذي يليه، ويسأل نفسه: هل أنجز كلّ الذي كان يرغب في تحقيقه؟ وإذا شفي من مرضه، فهل تعود له طموحاته السابقة؟ وإذا لم يُشفَ من مرضه، هل تبقى في الذاكرة الأفعال التي لم يتمكن من فعلها؟. 

images6IERMPZ8
المرض يكشف للمريض حقيقة من حوله 

وبعد أن ينتهي من أسئلته تلك يحمد الله على مرضه هذا لأن مرضه هو الذي كشف له حقيقة كل من كانوا حوله لكن بعد فوات الأوان فهم سيأتون لزيارته لا تقرباً إلى الله تعالى كما يدّعون ولكن كي يتأكدوا بأنفسهم من حالته الصحية ويطمئنوا بذلك على مصالحهم الشخصية عنده فإذا تأكدوا أن مصالحهم باقية يعودون لزيارته ثانية وثالثة ويُظهرون له كل مودّة وألفة أما إذا اكتشفوا أن مصالحهم عنده قد إنتهت فلا يعودون ثانية لزيارته متذرعين بأعمالهم وأشغالهم الكثيرة إلى أن يعلموا بوفاته. 

love-wd_com_1382090051_836
عندما يموت المريض يهبّ الجميع لدفنه والخلاص منه

وعندما يموت هذا المريض يهبّ الجميع من كل حدب وصوب لا للترحم عليه كما يظن الكثير من الناس بل لدفنه والخلاص منه وستكثر الدموع المسفوكة عليه لا حزناً كما يتوهم البعض بل حباً في إسترداد الحرية التي كان قد سلبها المريض منهم بعد مرضه فمرضه هذا كان قد حد من تحركات زوجته وأولاده وبناته وإخوانه وأخواته وأقاربه وسيكتشف بنفسه أن ما يقومون به ليس حباً واحتراماً له بل خوفاً من كلام الناس عليهم فلا يليق بهم حضور الحفلات والسهرات الخاصة والعامة وفي بيتهم مريض ثم يتلوها ثلاثة أيام يظهرون فيها حسناته وفيه أيضاً يتسامرون ويتحدثون في شؤون دنياهم لكن بعد أن يملؤوا بطونهم باللحم والأرز وفي اليوم الثالث يضيفون الكنافة إلى موائدهم لتكون أيامهم القادمة حلوة بعد أن خرج من حياتهم هذا المريض الذي كان يعكر صفوها. 

images8V4YAPEJ

وبعد أن يخلو لهم الجو، ويذهب المُشيّعون والمُعزّون إلى بيوتهم، يقوم كل واحد منهم، باستعراض ما كان قد قدمه لهذا المريض قبل موته أمام الآخرين، وبأدق التفاصيل المُملّة كي يفوز بنصيب الأسد، مما تركه لهم ميتهم، وفي هذه اللحظات الكل سيدّعي أن ميته كان يحبه أكثر من غيره، وينكر محبته للآخرين، ثم بعد ذلك يبدأ توزيع التركة، وإذا لم يرض الجميع من الجميع، تجد الجميع واقفين على باب أقرب محكمة شرعية، لأخذ حقوقهم. 

مقالات

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s