
ذهبت في أحد الأيام كي أعود مريضة تخصّني وكلي علم بأنها خرجت لتوها من المستشفى، فهي تعاني من أمراض السكر والضغط والتهاب المعدة، هذا كل ما أعلمه عن حالتها حتى الآن والله أعلم فيما لا أعلمه، فهي كبيرة في السن وبدأت أمراض الشيخوخة تهاجمها كغيرها من كبار السن. استقبلني زوجها عندما وصلت بيتهم وبدأ يتذمر من تكلفة علاجها حيث قال: استأجرت سيارة بخمسين ديناراً ذهاباً وإياباً كي أصل إليه، ودفعت له 10 دنانير كشفية، و30 ديناراً ثمناً لوصفته الطبية هذه ورماها في وجهي غاضباً.

فسألته على الفور عن اسم ومكان هذا الطبيب المعالج، فقال: هو شيخ يقيم في إحدى قرى عروس الشمال إربد، فبعد أن شخَّص حالتها أعطاها وصفتان إحداهما من عنده والأخرى تشترى من السوق وليس من الصيدليات حتى ولا من العطارين، بل من عند عطار بعينه فسألته: وكم دفعت لهذا الشيخ من أجرة؟ فرد علي: إنه يترك لك تقدير أتعابه فكشفيته على قدر أهل العزم فهو لم يحدد مبلغاً بعينه بل يترك ذلك للمريض وولي أمره.

بعد أن اطلعت على هذه الوصفة الطبية الشيخية الأولى وكانت مطبوعة وليست مكتوبة بخط اليد كما عودونا مشايخنا الكرام، وإذا بها توضيحاً للوصفة الثانية والتي هي أيضاً ورقة مطبوعة مثلها، وبها قائمة تضم كل أعشاب ونباتات هذا العالم ليكون منها خلطة وبأوزان محددة من كل عشبة كي يشربها المريض مع كوب الماء ثلاث مرات يومياً، وعلى المريض قبل أن يشرب كوب الماء أن يبسمل ثلاث مرات ويقرأ على الكوب المعوذات خمس مرات ويزيد ما تيسر من كتاب الله بآيات محددة ثم يتناول كوب الماء هذا ليكون العلاج الشافي لكل هذه الأمراض المستعصية على العلم والأطباء.
وعلى الفور بدأت أعاتب نفسي بنفسي وندمت على دراستي وأيقنت أنني كنت قد أخطأت الهدف فلماذا لم أصبح شيخاً طبيباً مثله؟ فهذه أسهل مهنة للدنيا وللآخرة فهي التي تدخلني الجنة وتجعلني أعيش في بحبوحة مادية في الدنيا، من غير جهد أو تعب. كما أن ممارستها لا تحتاج إلى إذن من أحد ووصفاتها سهلة أستطيع أن أكتبها بدون علم ولا دراية وبدون رقيب أو حسيب، وإذا أصبت لي أجران وإن أخطأت فلي أجر واحد. واكتشفت أخيراً أنني أستطيع التطبيب دون خوف أو وجل، لا بل يستطيع كل شخص أن يكون شيخاً طبيباً ولكن على حكوماتنا الرشيدة أن تطلب من هؤلاء أن يتعهدوا بعلاج أنفسهم وعلاج غيرهم من المقربين منهم مجاناً، وبهذا تعفي الحكومات نفسها من بناء المستشفيات وكليات الطب.
