
لو زُرعتْ نبتة في أرض مالحة فتكون بذلك قد ظـُلمت فإذا إستطاعت هذه النبتة في المستقبل أن تتغلب على ملوحة الأرض وتمكنت من النموّ سوف لن تعلم بأنها كانت قد ظلمت ولن تعلم من هو الذي كان قد ظلمها؟ أهو من زرعها أم هي الأرض المالحة التي كانت قد زرعت فيها؟ وعندما تكبر هذه النبتة أكثر وتقارن نفسها مع من هم في مثل سنها من النباتات تكتشف في الحال أنها كانت قد ظلمت وتبدأ تشعر بالظلم الذي كان قد وقع عليها وما أن تكتشف هذه النبتة أنها كانت قد ظلمت حتى تبدأ بالتعبير عن هذا الظلم الذي كان قد وقع عليها بطرق شتى وسترد على هذا الظلم بظلم مثله أو أشدّ دون أن تعلم.

ويختلف ردّ الظلم هذا من نبتة إلى أخرى فقد يكون رد هذه النبتة داخلياً بأن تجعل من بعض أوراقها أو كلها شوكاً تلسع به كل من يقترب منها وقد تجعل من ثمارها علقماً في فم من يأكله وقد تجعل ساقها نحيفة كي لا تستطيع مقاومة الريح نكاية في من ظلمها وقد يكون رد فعل هذه النبتة خارجياً فتتسلق على نبتة أخرى بجانبها وتزاحمها على كل شيء وقد تميتها تماماً كما في نبتة الهالوك وفي الحالتين لا يعلم من زرعها أنه كان ظالماً لها وبأنها تكيل له الصاع صاعين دون أن يدري.

هذا ما يحصل عند النبات أما ما يحصل عند الإنسان فشبيه به تماماً فعندما يكون الشخص في بطن أمه فقد يكون أبوه ظالماً له عندما إختار له أمه وقد تكون أمه هي التي ظلمته وهو في بطنها إذا عاشت فترة حمله قلقة متوترة أو عندما لا يتوفر لها الغذاء الكافي لسبب أو لآخر وتعجز أن تمده بالغذاء اللازم وقد يُظلم الإنسان عند ولادته أو في فترة طفولته وهذا أشد أنواع الظلم فداحة وتأثيراً عليه لأن هذا الظلم يخزن بذاكرة صاحبه إلى أن يكبر ويشتد عوده فيجد نفسه مظلوماً ولا يدري من هو الذي كان قد ظلمه؟ عندها يبدأ في التنفيس عن ظلمه المخفي بظلم أشدّ وأقوى وقد يتخذ هذا الظلم أشكالاً وألواناً مختلفة فقد يظلم الظالم علناً دون حياء أو خجل إذا وجد نفسه في موقع اتخاذ القرار كي ينتقم من الجميع لأنه يجهل من الذي كان قد ظلمه.

أما إذا لم يكن في موضع إتحاذ القرار فإنه سيسعى جاهداً للوصول إليه بشتى الطرق حتى ولو كان زحفاً على بطنه لا بل سيجعل من نفسه مطية ليركبها صاحب القرار في إنتظار الفرصة السانحة له كي يرمي بمن هو فوق ظهره أرضاً بعدها يقف على رجليه منتصبأً وعندها سيجد الكثير من عبيد الظلمة الذين سيأتونه زحفاً على بطونهم كما كان قد فعل.

يقولون: إن الخوف لن يأتي من السلطان بقدر ما يأتي من بطانته وهؤلاء كالذباب يُسمّمون العسل عندما لا يستطيعون لعقه ليأكله الناس مُرّاً إن بقي منه شئ لغيرهم وهم صيّادون مهرة في كل الأزمنة والعصور شعارهم الوحيد من يتزوج أمّي مستعد أن أقول له يا عمي يُحيطون بالمسؤول من جميع الجوانب ولا يجعلونه يرى الأشياء إلا من خلالهم ويُلوّنون له الواقع دائماً باللون الوردي ويُوهموه بأن وجوده مرهون بوجودهم وما عليه إلا تقويتهم كي تستقر لهم الأمور وعندما يستقرون يستقوون أكثر من ذي قبل فيُبعدون المسؤول عن الجمهور ويُصبح لا يعلم شيئاً عن مؤسسته غير توقيع الأوامر التي يُصدّرونها له ويبقون على هذا الحال إلى أن تأتي العاصفة فيتخلوْن عنه ويبحثون عن المسؤول الجديد.

إن من أشد الناس ظلماً في مجتمعنا الحاضر هو المدير الذي لا يعرف الحقيقة ولا يُريد أن يعرفها بل يُسّلم أمره لمستشاريه الذين يعرفونها جيداً لكنهم غير مُستعدين أن يجهروا بها لغايات في أنفسهم وتحقيقاً لمصالحهم الشخصية وقد لا يأت الظلم فقط بالهجوم المُتعمّد على الآخر بدافع المرض النفسي أو الحقد الشخصي وإنما قد يأت على صورة تجاهل منجزات الآخرين أو التعتيم المقصود لأعمالهم الكبيرة وتاريخنا الماضي يشهد لنا بذلك فكم من رجل عظيم همشناه وكم من رجل كبير ألغيناه وكم من رجل تافه رفعناه إلى مرتبة العظماء.

قد يُميت الظالم شخصاً وهو حيّ وهذا أشد من القتل وذلك عندما يستطيع هذا الظالم أن يُقنع غيره من أهل القرار بأن هذا الشخص ينتمي بفكره إلى مدرسة غير مدرستهم وبأنه لا يُغرد مع سربهم فيحيلونه على التقاعد بعد أن يمدحوه أمام الناس كذباً وبهتاناً فقد يمدحوه بأنه باني هذه الأمة وصانع إنتصاراتها لكنهم يخافون عليه من الغرور ويخافون على الناس أن تؤلهه فيضل ويضل الناس معه لهذا فهم بعملهم هذا أراحوه وأراحوا الناس منه إلى أن يموت في بيته كما يموت البعير وقد يقولون عنه أنه أصبح من مدرسة ذهب زمانها ولم يعد يصلح لزمانهم هذا وبأن ذات الشخص قد توقف عن الإبداع ومن الأفضل له وللناس أن يستريح في بيته ليرى إبداعاتهم.
