
في يوم من الأيام اتصلتْ احدى الجارات السابقات تلفونياً تطلبني مدرساً خصوصياً لابنتها لمادة الرياضيات، فما كان مني إلا أن وافقت على طلبها هذا تلبية لنداء الجيرة. وما أن وصلت بيتهم حتى قمت بفحص معلومات البنت العلمية في الرياضيات فوجدتها أشطر مني ولا تحتاج لتدريس من أحد فقلت للأم وابنتها ذلك واعتذرت في الحال، وغادرت بيتهم ظناً مني أن الأم وابنتها تبحثان عن العلم والتعلم ويردن التزود منه سلاحاً للمستقبل.

ولم يخطر في بالي (موضة) هذه الأيام التي انتشرت بين البنين والبنات، ومن بعدهم الأمهات أكثر من انتشار النار في الهشيم، وإذا بالأم تريد أن تتفاخر أمام قريباتها وجاراتها من النساء بأنها وفرت لابنتها كل شيءٍ، حتى العلم يأتيها معلباً جاهزاً وما عليها إلا أن تفتح فمها وتتناوله. ولم يخطر في بالي أيضاً أن البنت لا تريد أن تتعلم الرياضيات بقدر ما تريد أن تتفاخر أمام زميلاتها الطالبات بأن من يُدرّسها هو الأستاذ (فلان الفلاني) ملك الرياضيات ومخترعها.

في اليوم التالي اتصلت بي الأم تلومني وتقول: أنا فهمت من تصرفك معي ومع ابنتي بالأمس يا أستاذ جميل أنك لم تقم بتدريس ابنتي من باب الشفقة المادية علينا، وأظنك قد أخطأت الهدف فنحن لسنا كما عرفتنا في الماضي ممن تجوز عليهم الشفقة. أظنك لم تعرف أن زوجي أصبح مديراً عاماً في إحدى الشركات وهو قادر على أن يدفع المبلغ الذي تطلبه مهما كان كبيراً. لم تكتف الجارة بذلك بل اتهمتني بأنني أخطأت أيضاً في تشخيص معلومات ابنتها بعد أن استدعت من بعدي مدرساً من كبار مدرسي الرياضيات لفحص معلومات ابنتها في الرياضيات.
