أيام الدراسة الجامعية في حياة المرء لا تُنسى أبداً، فهي تُحفر في الذاكرة كالنقش في الحجر بحلوها ومرّها، وبجدّها واجتهادها، وأحلى ما فيها البراءة والسذاجة والبساطة وعدم المسؤولية واختصار الأهداف أو تأجيلها إن شئت بهدف واحد وهو إحراز علامة النجاح فقط.
ومما أذكره جيداً من أيام دراستي الجامعية في كلية العلوم بجامعة حلب عام ١٩٧٠، أنه أصبح عندنا نقص في أعضاء هيئة التدريس في مادة الميكانيك التي كان يدرسها طلاب قسم الرياضيات في كلية العلوم على مدى سنتين متتاليتين، ففي السنة الأولى تسمى مكانيك 1، وفي السنة الثانية تسمى ميكانيك 2، فاستعانت كُلّيتنا بالدكتور زيد الأمير من أعضاء هيئة التدريس في كلية الهندسة لتدريس هاتين المادتين.
كان الدكتور يُدرّسنا دون أن يكون هناك كتاب معتمد، بل كان مطلوباً منا أن نبحث عن هذه المادة في المراجع العربية والأجنبية التي كان الدكتور يُعينها لنا في المحاضرة الأولى، وكان بذلك يتعبُ معنا ويُتعبنا معه، حتى أن عدد الناجحين في هاتين المادتين لا يتجاوز عدد أصابع اليدين معاً. ولسد العجز في أعضاء هيئة التدريس تعاقدت الكلية مع الدكتور عبد المسيح لتدريس ميكانيك 2 فيها، وهو دكتور متقاعد من إحدى الجامعات المصرية وقد سررنا جميعاً بهذا التغيير وأنا منهم؛ لأن الدكتور عبد المسيح كان يرى أن الطريقة السورية في التعليم عقيمة ومعقدة فليس كل من دخل الجامعة هدفه تلقي العلم.
كما كان يرى أيضاً أن معظم من دخلوا الجامعة يريدون الحصول على الشهادة فقط، ومن ثم السفر إلى دول الخليج العربي للعمل وتحسين الأوضاع المادية، فلا داعي أن نثقل عليهم في العلم أو نصعّب عليهم الأسئلة، بل علينا أن نعطيهم ما تيسّر من العلوم ليشقوا طريقهم بدون عقد ومشاكل. وفعلاً طبّق الدكتور عبدالمسيح ما كان ينادي به، فكان يكتب لنا الدرس على اللوح ونحن ننسخ ما يكتبه دون أن نفهمه، ولم يزعجنا ذلك لأن أسئلة الامتحان ستكون من هذا الدفتر فقط ولا ضرورة للمراجع.
1000 ليرة مكافأة الطالب الذي يحصل على تقدير ممتاز